مقالات متنوعة

يوسف السندي يكتب جو بايدن

انتخبت أمريكا جو بايدن ليكون رئيسها السادس والاربعون، وهو بحق يستحق هذا المنصب لانه تقريبا تدرج وظيفيا في كل المواقع التي يجب أن يمر بها رئيس الدولة، فالرجل اولا درس العلوم السياسية والقانون، ومنذ عام ١٩٧٣ حتى عام ٢٠٠٩ يشغل منصب السيناتور في الكونغرس الأميركي عن ولاية ديلاوير، ثم في عام ٢٠٠٩ أصبح نائبا للرئيس الأمريكي باراك أوباما واستمر في ذلك حتى نهاية فترة أوباما في عام ٢٠١٧، ثم هاهو ينتخب رئيسا للولايات المتحدة، ليمثل الرجل نموذجا فريدا في صعود السياسي لدرجات السلطة درجة درجة حتى الوصول إلى القمة، وهي ميزة تجعله متسلحا بكل المهارات والخبرات والعلاقات اللازمة لقيادة البلاد بكفاءة واقتدار.

هذا الصعود السياسي المتدرج في حياة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن هو انعكاس عن حالة استدامة الديمقراطية واستقرار الدستور والحفاظ على تقليد تبادل السلطة سلميا لعقود طويلة في أميركا، فديمقراطية أمريكا بدأت منذ عام ١٧٨٩م وظلت محافظة على هذا المنوال طيلة ال ٢٣١ سنة الماضية من عمرها، لم يحدث انقلاب عسكري ولم يحدث تشكيك يعصف بالديمقراطية التليدة، بل ظل المرشح المهزوم في الانتخابات يتمتع دوما بروح رياضية عالية، حيث يقوم بالاتصال بالمرشح الفائز لتهنئته ثم يقدم خطابا علنيا للجماهير يؤكد فيه احترامه للهزيمة وعمله خلف الرئيس الجديد، وهذا التقليد من وجهة نظري من أعظم التقاليد وأكثرها نبلا وشرفا للديمقراطية الأمريكية، فهو يؤكد أن السباق الانتخابي في نهاية الأمر هو سباق اخوة في الوطن الواحد، والوطن ووحدته واستدامة ديمقراطيته أهم من كل شيء.

جو بايدن ذكر ذلك في تغريدة حين قال عن سباقه الانتخابي المتوتر مع ترامب ( قد نكون خصوما ولكننا لسنا أعداء، نحن أمريكيون ) هذه هي الروح الديمقراطية التي يجب أن تسود في السياسة، ان يكون التنافس في مستوى الخصومة، وأن لا تتحول المنافسة إلى عداء يدمر كل شيء، فالحقيقة التي لا يمكن أن يتجاوزها الخصوم السياسيون أنهم في دولة واحدة ووطن واحد، وأن هذا الوطن هو الأهم وليس مهما من يفوز بالسباق ولا من يخسر، المهم أن يكون الفائز والخاسر مستعدين للعمل معا بعد انتهاء الانتخابات من أجل الوطن، المهم أن لا يقف الناس في محطة الانتخابات طويلا بل ان يذهبوا مباشرة نحو العمل، فالبلاد في حوجة إلى العمل لا الاختلاف، في حوجة إلى التقدم لا الدوران حول نقطة واحدة، ودوما هناك انتخابات قادمة، يمكن من خلالها أن يستعيد الحزب الخاسر الفوز مرة أخرى، وكما تعامل هو حين خسر باحترام ونزاهة وقبول للخسارة، سيتعامل معه الآخرون بذات الاحترام والنزاهة ويقرون بخسارتهم، ويكسب الوطن بهذه الروح ويتقدم بصورة مطردة إلى الامام .

لا يمكن لأي بلاد تبحث عن الديمقراطية أن تتجاهل التعلم من ديمقراطية اميركا، فهي الديمقراطية الأضخم والأكبر والاقدم، والنموذج الأفضل على الإطلاق في التبادل السلمي للسلطة، فهل يستفيد شعبنا ويتعلم من هذه الدروس المجانية التي نشاهدها جميعا عبر التلفاز مباشرة من أمريكا سيدة العالم؟!!

يوسف السندي – أخبار السودان