مزمل ابو القاسم

التسعير بعد التحرير


* تتجه الدولة بكلياتها إلى تحرير السلع الاستراتيجية، بالقول وبالفعل الذي وقع على المواطنين عبئاً ثقيلاً، لأنهم صاروا يشترون جالون الجازولين بأربعمائة وستين جنيهاً، وجالون البنزين بخمسمائة وأربعين جنيهاً، وقطعة الخبز بخمسة وعشرة جنيهات.
* قيل لهم إن الأمر سيترك لآلية السوق، وأن الأموال الضخمة التي كانت تنفق على دعم الوقود تحديداً سيتم توجيهها إلى الخدمات الأساسية، من صحةٍ وتعليمٍ وطرقٍ وبنياتٍ أساسية، ومع ذلك تبدو بعض مراكز القوى الحكومية رافضةً للتوجه الجديد، مع أن قرار رفع الدعم صدر من قمة هرم السلطة التنفيذية، ممثلة في رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك.
* مثال على ذلك وزارة الطاقة، التي ما زالت تُصِر على فرض هيمنتها على ملف استيراد الوقود، حتى بعد تحريره، وتمارس (لولوةً) مريبةً، كالتي أتتها عندما ألغت عطاءً لاستيراد (80) ألف طن من البنزين، بعد أن أعلنته يوم 10 نوفمبر الماضي، وفرزت نتيجته خلال يومين، وفازت به شركة اسمها (SMT).

* تم إخطار الشركة بالنتيجة، ومطالبة ممثلها بتحديد مواعيد دخول الباخرتين إلى الميناء، وناقشت معه إمكانية إدخال أولاهما قبل الموعد المحدد (للحاجة الماسة)، مع الإسراع في تقديم الفواتير لبدء إجراءات فتح الاعتماد، وإلزام الشركة بإرسال تأكيد عبر البريد الإلكتروني لتاريخ وصول الباخرة ففعلت في اليوم نفسه، وبعدها عقدت اللجنة اجتماعاً في مكتب الوكيل، وبعده مباشرةً أخطرت الشركة بإلغاء العطاء، وعللت القرار الغريب بعدم مشاركة بعض الشركات فيه!
* العذر أقبح من الذنب، لأن الوزارة كانت تعلم عندما فرزت العطاء أن الشركات التي تتحدث عنها لم تدخله، ولأنها فرزته وأعلنت نتيجته وأصبحت ملزمة بتنفيذه.. اللهم إلا إذا كانت تريد له أن يرسو على آخرين، خذلوها بتقديم أسعار أعلى من التي قدمتها (SMT).
* السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان مفاده لماذا تُصِر الوزارة على التدخل لاستيراد الوقود بعد تحريره؟
* هل صحيح أنها تفعل ذلك لمصلحة محفظة السلع الاستراتيجية التي تضم مجموعة من الشركات والبنوك التجارية الخاصة، مع أنها اشترطت سداد قيمة الوقود المستورد بنسبة (110‎%‎) مقدماً؟

* لو صحَّ ذلك سيُصبِح أي حديث عن تحرير الوقود مجرد هُراء، لأن التحكم في الاستيراد سيؤول إلى مملكةٍ خاصةً، واحتكاريةٍ تامة للمحفظة، لينتفي بذلك الغرض المعلن للتحرير.
* واضح من ملابسات العطاء الملغي وما سبقه وما تلاه وجود تيارين متصادمين داخل وزارة الطاقة، يدفع أولهما في اتجاه التحرير الكامل لأسعار الوقود، والاكتفاء بالإشراف والمراقبة ووضع السياسات العامة، بينما يرفض التيار الثاني التسليم بالأمر الواقع، ويسعى إلى الإبقاء على سلطة الوزارة وصلاحياتها وهيمنتها القديمة على أمر الاستيراد.
* ذلك الوضع الغريب انعكس على التصريحات التي أدلى بها وكيل الوزارة – في حواره مع الزميلة المميزة نازك شمام – قبل أيام من الآن، عندما أقرَّ بخطأ اعتماد سعرين للوقود، وأكد اتجاههم إلى توحيد السعر.
* ألم يكن من الأفضل أن يتم ذلك من الأول؟
* نطالب رئيس الوزراء بأن يضع قرار التحرير موضع التنفيذ، وأن يلزم وزارة الطاقة باحترامه، ويطرد كل من يعارضه ويعطل تنفيذه، مع ضرورة التحقيق في الملابسات الغريبة التي صاحبت العطاء الملغي.. لمصلحة شركاتٍ يعلم هويتها من ألغوا عطاءً رسمياً بعد ترسيته.. بأسباب واهية تدل الى أن الفساد المسيطر على قطاع النفط ما زال مستشرياً بشدة.

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي