يوسف السندي يكتب احترموا تضحيات ثورة ديسمبر
الهدف الاساسي لثورة ديسمبر هو اقامة دولة حرية وعدالة وسلام، دولة الحرية لا تصنعها العنترية ولا الأجندة الاستعلائية ولا المواكب التي بلا غاية ولا البكاء على أطلال الشهداء، وإنما يصنعها الوعي، الوعي بقيمة الإنسان وبمسؤولية الحرية وبالحقوق الديمقراطية .
الشهداء والمصابين والمفقودين والمدمرين نفسيا والذين فقدوا المال والموارد وكل أشكال التضحيات الإنسانية خلال ثورة ديسمبر هي ليست تضحيات مستردة، بل هي عربون للمستقبل وثمن للحرية والديمقراطية والعدالة، لا يمكن استعادة هذا الثمن، والا استعدنا معه الدولة التي ثرنا عليها، كما لا يمكننا نسيان هذا الثمن والا نسينا الثورة، تضحيات الثورات لا مقابل مالي لها ولا مقابل قانوني، مقابلها الوحيد الخلود في ذاكرة الشعب والتاريخ، والبقاء إلى الأبد معينا تتزود منه الثورة وتتعلم منه الأجيال.
لم يقتص الشعب السوداني قانونيا لمقتل الآلاف من جدودنا الأبطال في ساعة من زمن في كرري، كما لم يستلم مقابلا ماديا عن مقتل عبد الفضيل الماظ وصحبه، ولا لشنق ود حبوبة، فهذه تضحيات لا تقدر بثمن ولا تعادل بحكم قضائي، هم لوحات تاريخية خالدة وصور باذخة في التضحية والفداء والوطنية، هم شهداء وليس قتلى حتى يقتص لهم، هم الثمن الذي وهبنا عليه هذا التاريخ الناصع وهذا الوطن الحر، فهل يسترد الثمن بلا إعادة البضاعة ؟!!
الثورة دورها لا ينتهي عند لحظة إسقاط النظام الدكتاتوري، بل يبدأ عندها، حين يبتديء عب تحويل تركة الدولة الظلامية إلى دولة وعي، وحين تجلي القلوب من صدأ الأنانية ومن غبار الانصرافية وتملأها باحترام الآخر وعشق المسؤلية، دولة الثورة صورة معاكسة للدولة التي اسقطتها، و بالتالي فهي لا يمكن أن تكون دولة كبت او إقصاء أو تصفية حسابات، وأينما ظهرت هذه الصفات عليها فأعلم انها لم تعد تمثل الأهداف الثورية.
لو كان إسقاط الدكتاتوريات فقط يكفي لإنجاز دولة الحرية و الديمقراطية، لحدث هذا في بلادنا منذ امد بعيد، فقد انجز شعبنا ثورتين في أكتوبر ١٩٦٤ وفي أبريل ١٩٨٥، ولكن النهاية كانت انقلاب عسكري وعودة الشمولية مجددا. الازمة لا تتمثل في وجود حاكم دكتاتوري فقط، وإنما في وجود بنية سياسية وعقول جمعية غير مستجيبة للوعي الديمقراطي ولا تملك إرادة التغيير الحقيقي ابتداءا بذاتها.
الذين يرون أن المعركة الراهنة للثورة هي مع العسكر فقط هم مخطئون، والخطأ في تحديد العدو يسوق الثورة إلى المعركة الخطأ التي لا تنتج الا مزيدا من المعارك الخاطئة التي لا تنتهي. الذين يصارعون بالثورة في المعركة الخطأ هم كالشيعة الذين يبكون ويشقون الجيوب ويسيلون دماء أجسادهم في كربلاء منذ مئات السنين وحتى اليوم من أجل الحسين، فما احيوا الحسين ولا قتلوا يزيدا.
يوسف السندي – صحيفة أخبار السودان