مقالات متنوعة

فعل (الإنقاذ) وردة الفعل


الشيء الطبيعي بين تغيير الأحداث من حالة إلى أخرى هو الفعل من جهة، وردة الفعل من جهة أخرى.

يحدث ذلك مع كل الظواهر الطبيعبية مع الحيوانات، والبشر حتى مع الجمادات.

فما أن يسقط حجرا إلا وله ردة فعل.

الإنسان بعقله، وبفهمه، وبإدراكه للأمور يتجاوز، ويتخطى ردة الفعل التلقائية؛ ليتعامل مع الأحداث معاملة تقويم وتصويب وتحسين.

الفرق بين التغيير الذي يحدث بردة الفعل التلقائية، والتغيير الذي يحدث بتصويب الفعل، وتحسينه هو أن الأول لا يحتاج إلى مجهود ولا يحتاج إلى آلية، فهو يحدث بصورة تلقائية؛ لذلك نجد ظاهرة ردة الفعل شاملة لكل المخلوقات من جماد، وحيوان، وإنسان.

أما الثاني الخاص بظاهرة تحسين الفعل، وتصويبه فهي التي تحتاج إلى عمل زائد، ومكثف، ومجهود نوعي.

تظهر سياسة ردحا من الزمن تمارس ما يحلو لها، وما تريد، فما أن تزول هذه السياسة بسبب فشلها، ورفضها إلا وتظهر تلك الظاهرتين.

* ظاهرة ردة الفعل، وهي التي تقوم بصورة تلقائية، ولا تحتاج إلى مجهود.

* وظاهرة التصويب، والتحسين وهي التي تحتاج إلى مجهود، وآلية، وقصد.

فلننظر إلى الأفعال التي أعقبت نظام (الإنقاذ)، فإن جاءت بنفس سوءاته، فهذه لا تعدو أن تكون ردة الفعل التي تحدث بصورة تلقائية، ولا تحتاج إلى مجهود.

وإن حدث تصويب، وتحسين لأفعالها، وممارساتها، فهذا يعني ثمة مجهود بذل، وثمة عمل أنجز، وثمة آلية وضعت.

لم تحسن حكومة (الإنقاذ) في تطبيق شرع الله بل جعلته وسيلة لتثبيت حكمها جاء ذلك في جميع الأصعدة.

فإن نظرنا إلى العبادات، فقد شوهتها (الإنقاذ) وجعلت منها طبقات ودرجات.

فمساجدهم ليست ككل المساجد، ومشايخهم ليسوا ككل المشايخ، وصيامهم ليس ككل الصيام.

فمساجدهم فخمة، ومشايخهم أغنياء، وموائد صيامهم خاصة بهم.

يأتي التغيير، فإن كان تلقائيا، فسوف يرفض شرع الله كردة فعل لممارسة (الإنقاذ) الخاطئة له، وإن كان تغييرا من أجل التحسين، والتصويب، فسوف بجعل المساجد دورا للعبادة، وليست دورا للولاء السياسي، وسوف يجعل الحقوق، والواجبات، وإتاحة الفرص وفقا للقانون والمؤهلات وليست وفقا للولاء والتأييد.

وسوف يجعل العبادات وسيلة لتزكية النفس، وتطهيرها لا وسيلة للكسب السياسي الرخيص.

قضايا السلام وتوزيع الثروة التي أفسدتها (الإنقاذ) بالولاء السياسي من جهة وبالولاء القبلي والجهوي البغيض من جهة أخرى.

فإن كان التغيير نتيجة لردة الفعل التلقائية، فسوف تتحول نفس قضايا (السلام) وتوزيع الثروة والمناصب السياسية من رموز (الإنقاذ) إلى رموز أخرى.

وإن كان التغيير لا بسبب ردة الفعل التلقائية، وإنما بسبب التحسين، والتصويب، فسوف تظهر قضايا (السلام) من أجل السلام، وسوف تظهر قضايا توزيع الثروة، والسلطة وفقا للمؤهلات، ووفقا للتوزيع العادل بين مناطق السودان المختلفة.

هناك نوعان لردات الفعل، فهي إما أن تكون مرحلية بسبب كونها تظهر تلقائيا، ولا تحتاج إلى مجهود.

فعدم الممارسة الصحيحة للشعائر الدينية يعقبها مباشرة، وبصورة تلقائية رفض الشرائع الدينية كردة فعل.

وبعد الخروج من صدمة ردة الفعل هذه يبدأ ظهور العلاج والتصويب، والذي تظهر معه المجهودات، والآليات.

والنوع الثاني من ردة الفعل هي كونها ليست مرحلية وليست تلقائية، وإنما مقصودة، وتسعى أن تجد لها آلية لتحل محل (الإنقاذ).

ردة الفعل التلقائية خطرها طفيف، وسرعان ما يتم التخلص منها لأنه سيتضح عاجلا، وآجلا أن الخطأ لا يعالج بالخطأ، وأن الفساد لا يعالج بفساد آخر، وأن التمكين لا يعالج بتمكين آخر.

وأن شرائع الله إذا استغلت ومورست خطأ لا يعني أنها خاطئة، ولا يعني أنها لا يمكن أن تطبق.

فردة الفعل التلقائية سرعان ما تفيق وسرعان ما تعود إلى صوابها.

الخوف الحقيقي هو من ردة الفعل المقصودة والممنهجة لفكر (الإنقاذ) فهذا هو الخطر الحقيقي.

فهذه فكرتها ليست مجرد ردة فعل، وإنما رفض حقيقي لشرائع الله، فتستغل ممارسة (الإنقاذ) الخاطئة لشرائع الله، فحينما أوجدت مصطلح ( التحلل) مثلا ومصطلح (فقه المرحلة) و(فقه الأولويات) فاستخدمتهم استخداما أفرغ محتواهم، وأبهت قيمهم، ولم يظهر منهم سوى تخليص المجرمين من جرائمهم، وتبرير للخطط والبرامج الخاطئة.

كما سوف تستغل عدم إدراك (المشايخ) بأن أخطاءهم في العمل العام سوف تسيء للشرع أكثر مما تسيء إليهم؛

لأنهم حينما بادروا في العمل العام لم يكونوا يمثلون أنفسهم، وإنما كانوا يمثلون الشرع.

وهكذا تسير ردة الفعل المقصودة التي أعقبت نظام (الإنقاذ) في جميع قضايا الوطن، لتستبدلها بأخرى على النقيض منها تماما.

فما يحدث الآن من ردود فعل لنظام (الإنقاذ) هل هي ردود فعل تلقائية كنتاج طبيعي بأن الخطأ يقابل بالخطأ وسرعان ما يكتشف ويفيق ليحل محله التصويب والتحسين؟

أم هي ردود فعل مقصودة، ومطلوبة وتسعى بكافة الخطط والبرامج لتحل محل (الإنقاذ)، فهي تسعى للإساءة لشرع الله.

فإن أساءت (الإنقاذ) باستغلال شرع الله، فهي تسعى لتركه بالكلية.

وإن أفسدت (الإنقاذ) في إدارة الحكم، فهي تريد أن تأخذ فرصتها كذلك، وإن أسرفت (الإنقاذ) في ممارسة القبلية، والجهوية وعاهات التمكين، فهي تريد أن تسرف.

وعلى طريقة نوعي ردود الأفعال التي صاحبت (سلام) ما بعد (الإنقاذ).

هل هي أخطاء نتيجة لردود فعل:

تلقائية؟ أم مقصودة؟

محجوب مدني محجوب – صحيفة الانتباهة