رأي ومقالات

الرأسمالية الطفيلية وجدل الثروة والسلطة – الأشياء تبدو ولا تكون

كثيرا ما يردد المعلقون, بالذات اهل اليسار منهم, الحديث عن برنامج الرأسمالية الطفيلية وهيمنته علي القرار الحكومي.
في تقديري, غير المعصوم, انه لا توجد طبق رأسمالية طفيلية أو حتى رأسمالية وطنية واعية بذاتها كطبقة ولها برنامج محدد وخطة منسقة بين قادتها لإنفاذه عن طريق قنوات هيمنة معلومة لإنزاله.
كل شرائح الرأسمالية تفتقد الوعي الاستراتيجي ولا يوجد تنسيق بين ممثليها ولا مؤسسات لها ولا هي تمارس نفوذ حاسم علي القرار الاقتصادي أو السياسي.
في تقديري ان السلطة الحقيقية بعيدة عن يد الرأسمالية لأنها تقبع في قبضة أهل السلاح وفي يد بعض الاحزاب حتى في حال كونها خارج السلطة وفي يد كبار بيروقراطية جهاز الدولة المدني.
جادل سمير امين بان قانون الرأسمالية, في الماركسية التقليدية, يقول بـانه في المجتمعات نمط الإنتاج الرأسمالي الناضج تكون الثروة هي مصدر السلطة السياسية . أي ان الشركات وأصحاب الثروات يملكون الساسة ويديرون العملية السياسية عن طريق ممثليهم من الاحزاب التي تأتمر بأمرهم.
ولكن في مجتمعات ما قبل الرأسمالية الناضجة كما هو الحال في السودان لا ينطبق قانون الرأسمالية الكلاسيكي وتنعكس المعادلة لتصير السلطة هي مصدر الثروة والمهيمن عليهـا.
اعتقد ان سمير امين أصاب في ما ذهب اليه عن ضرورة التمييز بين توازنات الاقتصاد السياسي لمجتمعات الرأسمالية المتقدمة واحوال ما قبل الرأسمالية أو الرأسمالية البدائية.
وحالة الاقتصاد السياسي السوداني تدعم ما ذهب اليه سمير امين. فمثلا في فترة الاخوان اتي قوم من الشرائح الدنيا من البرجوازية الصغيرة وناس قريعتي راحت واستغلوا الدين حتى اعتلوا السلطة واثروا ثراء فاحش وهمشوا الرأسماليين التقليديين واذلوهم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وسكنوا في قصورهم بعد انتزاعها منهم. أي ان السلطة كانت هي مصدر الثروة وليس العكس.
وقبل الاخوان توزعت السلطة بين الجيش وحزبي الأمة والختمية ولم تكن ابدا مع الرأسمالية كطبقة واعية بذاتها . ورغم ان اقسام من الرأسمالية تحالفت دائما مع هذا الحزب أو ذاك الا ان تحالفها كان كشريك تابع هدفه حماية ماله والحصول علي التسهيلات مقابل اتاوات يدفعها للأحزاب أو لأفراد ولكن ظلت السلطة كاملة في يد الاحزاب وبعيدة عن يد الرأسمالي.
أيضا في عهد ما بعد البشير نجد ان السلطة تتوزع بين أهل السلاح, الاجنة الأمنية, وحلفائهم من بعض الأحزاب وبعض وكلاء الخارج ولا نصيب للرأسمالية السودانية في القرار الوطني. في مثل هذه الأوضاع فان كائن مثل الأستاذ سلك أو التعايشي يتمتع بتأثير علي المصير الوطني في مستوياته السياسية والاقتصادية لا يحلم به أسامة داوود ولا انيس حجار ولا النفيدي. وايضا فان موظف ما واصل يملك تأثير علي اقتصاد الدواء التريليوني لا يملك ربعه رأسمالي عتيد ساهم هو واسرته في توطين صناعة الدواء منذ أيام صبا الأمام عبدالرحمن.
يترتب علي هذا الحكي انه علي مستوي ما فان الرأسمالية الوطنية ليست هي الشيطان وانما هي ضحية من ضحايا فساد السلطة و غشامتهـا.
ولكن هذا التوازن لا يعني ان الرأسمالية بريئة، فهي دائما موجودة حول مصنع القرار وتحاول التأثير عليه بما يخدم مصالحها الطبقية المشروعة أو الفاسدة أو يرجح اهدافها الوطنية النبيلة ولكن ابدا ليس كسيد مهيمن يملك العملية ويصرف بركاوي للقادة السياسيين حين يشاء كما هو الحال في فرنسا وامريكا وبريطانيا وانما كثري مذعور يحاول حماية ماله بالمنطق السليم والوطنية أحيانا وبالرشاوي والعلاقات العامة أحيانا اخر.
اذن القرار السياسي والاقتصادي في يد أهل السلطة لا في يد الرأسمالية. في مثل هذا الوضع تستجيب الرأسمالية للاطار السياساتي الذي يضعه أهل السلطة بحساباتهم الخاصة عن علم أو جهل أو مصلحة. فلو كان هذا الاطار رشيدا, يسعي الرأسمال لتحقيق الأرباح من خلال أنشطة إنتاجية تفيده وتفيد المجتمع بتطوير قوي الإنتاج وزيادة الدخل وتوفير فرص العمل الكريم وتعزيز العائد الضريبي.
أما لو كان الاطار الذي يرسمه أهل السلطة مصاب بالجرب الفكري والسياسي فان أهل الرأسمال أيضا يسعون لمراكمة الأرباح حتى لو كان ذلك عن طريق أنشطة طفيلية ضارة وغير منتجة او حتى فسادية. ولكن في كل الأحوال من المهم ملاحظة ان الطبقة الرأسمالية لا تصنع الاطار السياساتي وانما فقط تستجيب له كتابع.
أذا كان أعلاه صحيح, يترتب عليه ان المشكلة ليست في الرأسمالية الطفيلية أو المنتجة وانما في السلطة السياسية وصناع القرار من البيروقراطية العسكرية والمدنية لجهاز الدولة وقادة الأحزاب الذين لفوا لفهم.
وهذا يعني ان شيل حال الرأسمالية حتى لو كانت طفيلية فيه اعفاء لصانعي الأزمات الحقيقيين من أهل البيروقراطية المدنية والعسكرية والحزبية.
وبما انهم وجدوا في مجتمعات ما قبل الرأسمالية فقد ادرك دائما السادة المتصوفة الذين كشفت لهم الحجب ان شهوة الرئاسة اعظم من شهوة المال واشد خطرا. وقال أهل السودان سلطة للركب خير من مال للكتف.
فا شنو, ما تقول لي الزول ده ضحي وتفرغ للسياسة.
معتصم اقرع

‫2 تعليقات

  1. مقال بمثابة بحث متكامل .. ودراسه وافيه واقعيه..
    كثر الله من أمثالك .. وصرف عننا اصحاب الزعيق ة المغالطات

  2. مقال شافي بمثابة بحث و دراسه متكامله واقعيه
    .. كثر الله من أمثالك و صرف عنا اصحاب المغالطات