مقالات متنوعة

مآلات الصراع السياسي حول الفترة الانتقالية


بعد ثورتي اكتوبر ١٩٦٤ وابريل ١٩٨٥ لم يهتم الشعب السوداني كثيرا بالفترة الانتقالية ولا ببرنامجها، كانت غاية آماله ان تنقله الفترة الانتقالية من عهود الحكم غصبا عن الشعب إلى عهود الحكم برضا الشعب عبر الانتخابات، وهذا ما حدث، الحكومتان الانتقاليتان قادتا الشعب نحو صناديق الانتخابات الحرة في ١٩٦٥ و١٩٨٦ وإختار فيهما الشعب بمحض إرادته من يحكمه.

ما يحدث الآن في ثورة ديسمبر مختلف عن ما سبقه، قادة الحراك الثوري اعلنوا عن فترة انتقالية عمرها أربعة سنوات في اعلان الحرية والتغيير، ثم لاحقا تقلصت الى ثلاث سنوات بعد الاتفاق السياسي، ثم ها هي الآن بعد اتفاق السلام في جوبا تزداد سنة ونصف جديدة، ولا يعرف هل ستزداد مرة أخرى بعد توقيع اتفاق سلام مع الحلو وعبدالوحد ام لا. نظريا كان اعلان الحرية والتغيير جيدا ومبشرا ولكن عمليا بعد قيام الحكومة الانتقالية ظهرت الصعوبات والصراعات والتي بدأت مبكرا منذ الاختلافات المتكررة حول التفاوض والاتفاق مع العسكر، ثم إعلان الجبهة الثورية عن اقصاءها وعدم إشراكها من قبل قحت، ثم اعلان الإسلاميين السلفيين عن عداءهم للحكومة الوليدة، هذا غير الرفض الثابت للحكومة الانتقالية من الكيزان ومن تيارات سياسية شاركت النظام حتى سقوطه او انحازت للشارع في المرحلة الأخيرة من سقوط النظام .

الصراع لم يقف هنا بل تحول إلى صراع داخل قحت نفسها، وتحالف قحت هو تحالف واسع ومتباين أملته ظروف الثورة، وحتى اتفاقه حول إعلان الحرية والتغيير كان اتفاقا متعجلا للحاق بالشارع ودعم الثورة، لذلك لم يستوفي هذا التحالف لحظة تكوينه كل الشروط المعروفة في التحالفات وهي الجلوس للاتفاق حول البرنامج التفصيلي وهيكل التحالف وضوابطه، ربما تقاضى الجميع عن هذه الأساسيات أيام الثورة لجهة ان مصير الثورة لم يكن معروفا هل ستنجح ام تتحول إلى ٢٠١٣ أخرى، لذلك حين نجحت الثورة أفرزت هذا الواقع الذي جعل الطيف الواسع لتحالف الحرية والتغيير غير جاهزا بطريقة مؤسسية لقيادة الدولة، ومن هنا بدأت الصراعات الخفية والصريحة بين فصائل التحالف.

الصراعات بين الحلفاء وصلت مرحلة تهديد وجود التحالف نفسه بعد انسحاب البعض وتجميد البعض، وفي ظل عدم القيام بخطوة واضحة لاعادة ضبط هذا التحالف وهيكلته ومأسسته، فإن الحكومة الانتقالية التي يحتضنها التحالف ستفشل لا محالة في إنجاز ملفاتها وستسقط من نظر الشعب أن لم تكن قد سقطت بالفعل، فشل الحكومة الانتقالية نتيجة صراعات قحت يقود إلى نهايتين اثنين، الانتخابات المبكرة او الانقلاب.

هل قوى اعلان الحرية و التغيير قادرة على التصدي لخلافاتها ومعالجتها ام ان الخيارات الأخرى اصبحت حتمية؟! هل الجبهة الثورية بتكوينها العسكري السياسي المزدوج قادرة على إضافة مزيج جديد متماسك يدخل بين تروس ساعة الحكومة والحاضنة المتكلسة ليعيد تسليكها، أم أن ما حدث داخل قحت من صراعات سيحدث ايضا داخل الجبهة الثورية وتزيد الأزمات ويكون المخرج العلو نحو الانتخابات او السقوط نحو الانقلاب؟!

يوسف السندي – صحيفة أخبار السودان