مزمل ابو القاسم

اعملوا (فيفا)!


* تحظى خُطَب الشيخ محمد مصطفى عبد القادر بمتابعة عالية داخل المساجد، وفِي منصات التواصل الاجتماعي، لطرافة ما يرد فيها مع حِدتها البائنة، وقد سبق للشيخ انتقاد تحكم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في شئون اللعبة، زاعماً أن الاتحاد يديره اليهود والنصارى، وداعياً إلى ممارسة اللعبة (وفقاً لأحكام الشريعة بالتكة والسروال)، وختم خطبته بعبارة (اعملوا فيفا هنا).
* نذكِّر شيخنا بعدم صحة ما أسنده إلى الفيفا، الذي يحظر التمييز بأشكاله كافة، الديني والعِرقي والجهوي، ويعاقب من يمارس التمييز بصرامة شديدة.

* كذلك يتمتع الفيفا بحساسية عالية تجاه الفساد، ولا يتورع عن معاقبة المفسدين الذين يستغلون مناصبهم في التعدي على أموال اللعبة، مثلما فعل مع رئيسه السويسري جوزيف بلاتر، ورئيس الاتحاد الأوروبي ميشيل بلاتيني، ورئيس الاتحاد الآسيوي محمد بن همام، ورئيس اتحاد الكونكاكاف (المحتال المحترف) جاك وارنر وآخرين.
* لا مجال لاتهام الفيفا بالتحيز لأي دِين أو جنس، وليس هناك مسوغ يدعم دمغه باستهداف الدول الصغيرة والفقيرة، أو إعفاء فاسدي دول العالم الأول من المحاسبة، مثلما يحدث في عُصبة الأمم، ومجلس الأمن الدولي، ومحكمة الجنايات الدولية المطعون في نزاهتها ودوافع محاكماتها، والدليل أن الفيفا حاكم تشاك بلايزر، رئيس الاتحاد الأمريكي لكرة القدم دون أن يطرف له جفن.
* قبل يومين عاقبت لجنة الأخلاقيات بالفيفا المدغشقري أحمد أحمد، رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) بتهم تتصل بالفساد وإساءة استغلال المنصب للتربح الشخصي، وتقديم وقبول هدايا ورِشَى، واختلاس أموال الكاف، وأوقفته خمس سنوات عن ممارسة أي نشاط يتعلق بكرة القدم، مما يعني طرده الفوري من منصبه، وحرمانه من إعادة الترشح لرئاسة الاتحاد القاري مرةً ثانية.

* حدث ذلك بعد أن أجرى الفيفا تحقيقاً شفافاً ودقيقاً لحسابات الكاف، بواسطة الشركة الشهيرة التي تدقّق حسابات الاتحاد الدولي (برايس ووتر هاوس كوبرز)، واكتشف هدر المدغشقري الفاسد لأربعة وعشرين مليون دولار من أموال الاتحاد.
* الطريف في الأمر أن إحدى التُهم المسندة لأحمد أحمد تعلقت باصطحاب عدد من رؤساء الاتحادات الوطنية الإفريقية إلى الأراضي المقدسة لأداء العُمرة على حساب الكاف، وقيل إن بعضهم كانوا مسيحيين، علماً بأن الرئيس المطرود واجه في السابق اتهامات تتصل بالتحرش الجنسي بأربع من موظفات الاتحاد الإفريقي في القاهرة.
* ما أحوج بلادنا إلى عدالة الفيفا وحساسيتها العالية في التعامل مع قضايا الفساد، وإلى صرامتها في ملاحقة ومعاقبة لصوص المال العام.
* عندنا في السودان فشَى الفساد، وتمددت وتطورت أساليب السطو على الحق العام، مثلما تفننت الدولة في غض الطرف عن الفاسدين، بل واجتهدت في التغطية على جرائمهم المقززة، وانتهاكاتهم المتتالية، وهدرهم المستمر لأموال البلاد والعباد.

* يقدم الفيفا دعماً سنوياً، بما قيمته مليون وخمسمائة ألف دولار سنوياً لكل اتحاد وطني، وقد تابعنا كيف تم السطو على تلك الأموال في الاتحاد السوداني لكرة القدم، وكيف خصص رئيسه د. كمال شداد عشرين ألف دولار من أموال الاتحاد لزوجته، من الدعم الذي وصل للاتحاد السوداني من الكاف، مثلما مكنها من استغلال سيارة مملوكة للاتحاد أكثر من عشر سنوات.
* أما في دواوين الدولة فقد شاع التلاعب بالعقود الحكومية، وعمّت ظاهرة تجاوز قانون الشراء والتعاقد، وصار هدر المال العام على عطاءات وعروض شراء صورية قاعدةً في معظم الوزارات، وأصبحت سرقة المال العام تتم على المكشوف، بلا أدنى خوف من محاسبة إدارية، أو ملاحقة قضائية.
* الأمثلة على الانتهاكات المذكورة أعلاه بالعشرات، وقد تولينا تفصيل العديد منها في هذه المساحة، ودعمنا ما كتبناه بأدلةٍ ومستنداتٍ دامغةً، ومع ذلك لم تتحرك النيابة للتحقيق فيها، ولم يأمر رئيس الوزراء ولا وزير العدل ولا النائب العام بملاحقة المفسدين لمحاكمتهم على هدرهم للمال العام، وتعديهم على حقوق مسحوقين لا يجدون حليب أطفالهم ووقودهم وقوت يومهم.

* لذلك سنقلِّد شيخنا المفضال (خفيف الظل) محمد مصطفى عبد القادر، ونقول للدكتور حمدوك ومولانا الحبر والمراجع العام المكلف بتدقيق ومراجعة أموال الدولة (أعملوا فيفا هنا)، كي تنوب عنكم في زجر وفضح ومحاكمة لصوص الحق العام، وحفظ أموال الدولة من الضياع.
* لا مناص من الاستعانة بالفيفا لمحاصرة الفساد المستشري، سيما بعد أن طرقت الاتهامات المتعلقة أبواب القصر الجمهوري ومجلس الوزراء ومعظم الوزارات السيادية.
* بدل تعملوا رايحين من الفساد.. (أعملوا فيفا هنا)!

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي