مزمل ابو القاسم

ممهولة.. ومشلولة!


* عاب الزميل الصديق الطاهر ساتي على حكومة حمدوك إبقاء وزارة الصحة الاتحادية تحت إِمرة وزير مُكلَّف في عز زمن الوباء، الذي عاد أكثر شراسةً وأوفر حصداً للأرواح، إذ لا تكاد تمر علينا ساعة من دون أن نقرأ فيها نعياً، أو نسمع خبر وفاة، سيما بين كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة.
* نذِّكر الحبيب ساتي بأن وزارة الصحة ليست نسيج وحدها في موضة إسناد إدارة الوزارات المهمة إلى وزراء مُكلفين، لأن هذه الظاهرة الغريبة مستمرة في حكومة الثورة لأكثر من خمسة أشهر، بحالة عجزٍ غير مسبوقة، تدل على غياب الهِمّة، وتشير إلى ضعف الاهتمام بأحوال الناس، وعدم الإحساس بمعاناتهم المتصاعدة.

* استحكمت حلقات الأزمة الاقتصادية، وانفلت السوق، وعمته الفوضى، وتضاعفت أسعار معظم السلع الأساسية، وازدادت حدة الفقر، وارتفع معدل التضخم ليقارب الثلاثمائة في المائة، وخلت خزينة الدولة من المال، وفقدت العملة الوطنية قوتها الشرائية، وشكا الناس وبكوا من رِقّة الحال، ومع ذلك بقيت وزارة المالية في عُهدة وزيرة مُكلّفة لا تجيد العمل، ولا تُحسن الحديث.
* يكفي تدليلاً على سوء تدبيرها التصريح الكارثي الذي أشهرت به إفلاس الدولة قبل أيام من الآن، وأدى إلى رفع أسعار الدولار في الأسواق الموازية على الفور.
* بودار الفشل تحاصر موسم الزراعي الشتوي.. والمزارعون يشكون من غياب الأسمدة، وشُح الجازولين وارتفاع أسعاره، ومن غياب الآليات، ويتحدثون عن صعوبات جمَّة في الري.. ومع ذلك بقيت وزارة الزراعة في عهدة وزير مُكلّف.
* صفوف الوقود تمتد بالكيلومترات بطول السودان وعرضه.. والأزمة المُزمنة مرشحة للمزيد من الاستفحال والتعقيد بُعيد إيقاف المصفاة عن العمل في الأيام المقبلة.. ومع ذلك ظلت وزارة الطاقة في عُهدة وزير مُكلّف، أوعدنا قبل يومين باحتمال ارتفاع أسعار الوقود الحُر نتاجاً لارتفاع أسعار الدولار.

* إجراءات تخليص الحاويات والبضائع وحركة الشحن في ميناء السودان الرئيسي تتم بنهج السلحفاة، ومعظم الطُرق القومية مُتهدّمة بفعل السيول والأمطار وغياب الصيانة.. ومع ذلك بقيت وزارة البِنى التحتية والنقل في عُهدة وزير مُكلّف.
* العشرات من بواخر صادر الماشية أعيدت من حيث أتت خلال الشهور الماضية، وكلفت خزينة الدولة خسائر طائلة بالعملات الصعبة.. ومع ذلك ظلت وزارة الثروة الحيوانية بيد وزير مُكلَّف.
* حتى وزارة الخارجية، الذراع الطويلة التي يفترض أن تمتد إلى بقية دول العالم لتجلب الدعم، وتوفر السند للاقتصاد المنهار، وتجسر الهوة مع الأصدقاء والداعمين بقيت في عهدة وزير مُكلَّف.
* ذلك الحال المائل مستمر في حكومتنا منذ شهر يوليو الماضي، عندما قبِل الدكتور عبد الله حمدوك استقالة خمسة من وزرائه، وأقال السادس، بادعاء أن تلك الخطوة تستهدف ضخ دماء جديدة في شرايين الحكومة الانتقالية.
* مرت خمسة أشهر كاملة، لم نر فيها دماً ولا لحماً ولا شحماً، بل أصيبت السلطة التنفيذية خلالها بفقرٍ حادٍ في الدم، وحالة هزال عامٍ، أثرت على كل مناحي الحياة، وأحالت الدعم الهائل الذي كانت تحظى به الحكومة إلى سخطٍ عارم، وغضبٍ يتنامى في صدور المسحوقين كل صباح.
* المصيبة أن حالة التبلد المسيطرة على السلطة التنفيذية في شقها الاتحادي انتقلت إلى المستوى الولائي، حيث بقيت معظم ولايات البلاد بلا وزراء، وازدادت حالة العجز استفحالاً بإقدام الحكومة على إلغاء منصب المعتمد، ليتم تكليف ضباط تنفيذيين بإدارة المحليات، من دون أن توفر لهم السلطة أي سند مالي أو إداري يعينهم على تنفيذ المهمة الصعبة.
* المصيبة أن ذلك العجز المقيت يحدث في ظرفٍ استثنائي حرج، يتطلب تخطيطاً سليماً، وحركة بالخطوة السريعة لمحاصرة التداعيات الخطيرة لجائحة كوورنا على قطاعات الإنتاج، والاقتصاد الكلي.. ولا ندري كيف سيحدث ذلك بعد أن صارت البلاد على حافة الانهيار، وغابت أبسط مقومات الحياة عن مسحوقين، لا يحظون بالحد الأدنى من اهتمام الحكومة الممهولة.. المغلولة.. المشلولة!

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي