هل استمع ترامب للعطبراوي وهو يغني (مالك ما اعتيادي)؟
(1)
· ونحن تلاميذ في المرحلة الابتدائية، كنا نظن ان الفنان حسن خليفة عطبراوي فنان الناس الكبار ــ كنا نتأدب في حضرته ولا نستمع له إلا (استراقاً)، او (خلسة) من خلف (شباك) او عن طريق (التعمد والقصد) في التأخر في (الدكان) ونحن ننشد (طحنية) او (كبريتاً) او رطل (سكر) قبل ان يصبح بالكيلو، وقد كنا نفعل ذلك ونتعمد (التلكؤ) هذا من اجل الاستماع لأكبر قدر من الاغنية التى يقدمها العطبراوي في اذاعة ام درمان بعد نشرة الساعة الثالثة، اذ كانت الاذاعة السودانية كثيراً ما تقف عند (العطبراوي) في ذلك الوقت.
· لم يكن احد يمنعنا من الاستماع للفنان حسن خليفة العطبراوي، ولكن كان ذلك فينا من حس (الاحترام) الذي كان يتقدم على (طفولتنا)، ونحن نسعى في الطرقات بعربة نصنعها من علب (اللبن) الفارغة.
· شيء آخر جعلنا نوقر الفنان حسن خليفة العطبراوي ونتأدب في حضرة اغنياته، وهو ان الفنان حسن خليفة العطبراوي ارتبط عندنا بالأغنيات الوطنية ومكافحة المستعمر وتأتي اغنياته دائماً في عيد الاستقلال، حيث غنى العطبراوي (أنا سوداني أنا) بكل الفخر والاعتزاز، مما يجعل الشموخ حاضراً في هذا المقام.
· نلامس (الثريا) بهذه الأغنية، ولا نسأل في احد.
· رابط هذه الأغنية يجب ان يكتب في الجنسية السودانية وفي الرقم الوطني ومع جواز السفر.
· اشعر بأن نخيل بلدنا وشباب بلدنا ونيل بلدنا فخور بهذه الاغنية، والعطبراوي يتغنى بها بصوت فخيم يحكي حرارة شمس السودان ويفسر عزة (السوداني) الذي خلق هكذا ليكون عزيزاً.
(2)
· ما شاهدت والدي ــ رحمة الله عليه ــ يهتز ويطرب (جهراً) إلّا عندما يستمع للعطبراوي في اغنياته الوطنية، وربما كان ذلك تعنصراً من والدي لعطبرة وللسكة الحديد، وهو يلجأ الى ان يرفع صوت (الراديو) كلما سمع العطبراوي يغني فيه. ويذهب الى ذلك دون ان يلفت انتباه احد اليه.
· يفعل ذلك والدي مع احمد المصطفى ومحمد وردي والعاقب محمد الحسن والتاج مصطفى وابراهيم عوض أيضاً ولكن (سرا)، اما مع العطبراوي فهو لا يتوانى عن أن يعلن عن (طربه) وفرحه (جهراً).
· وقار والدي كان يمنعه من الطرب في حضرتنا.
· وارتبط عندنا العطبراوي بالسكة الحديد، وهو يحكي صوت (القطر) وهو يغازل الارصفة والصنفورات والقضبان، ونحن في قلوبنا حنين لهذه الاشياء، حيث تطربنا (صفارة) القطارات، وتسعدنا المقابلات، ويبدد وحشتنا (المشترك) ويفرح انسنا (المخصوص)، ولا نبخل حتى على قطارات البضاعة بالفرح العريض ونحن نستقبلها في المحطات على الارصفة لندخل في سباق معها على المحطات. العطبراوي كان يمثل عندنا (الأتبراوي) بكل عنفوانه وحياته وفيضانه.. وكان يمثل عندنا عطبرة بأرصفتها العريضة فهي محطة الوطن الكبير، ويمثل عندنا (القطر) بحنينه الذي مازال يسكن في الدواخل.
· ومازلنا حتى وقتنا هذا لا يطربنا شيء اكثر من صوت القطر.
(3)
· مثلما غنى العطبراوي للوطن والسودان بحرف فخيم وبلغة عربية رصينة تضيق بها قاعات المحاضرات ولا يحتملها طلاب الدراسات العليا في اللغة العربية، غنى كذلك العطبراوي اغنيات عاطفية تحتوى على تفاصيل (خاصة) وأحاديث جانبية.
· اغنايات العطبراوي(العاطفية) مثل (معقمات) الجروح او هي مثل (لصقاتها) التى تقفل بها.
· لا أجد في الأغاني العاطفية اغنية ذات خصوصية اكثر من اغنية حسب الباري سليمان (نسانا حبيبنا الما منظور ينسانا) الاغنية التى قدمها العطبراوي بدفء المشاعر وبلحن يحكي قيام القطر ومغادرته للمحطة.. حتى انك تجد نفسك (شريكاً) في هذا الوداع.
· ولا اعرف اغنية عاطفية اكثر مرافعةً واعتراضاً اكثر من اغنية (مالك ما اعتيادي)، وهي اغنية انصح الرئيس الامريكي ترامب القريبة ولايته من الانتهاء بالاستماع لها، فقد يعود لرشده حتى لو لم يفهم كلماتها، فصوت العطبراوي ولحنه كفيل بذلك.
· وغنى العطبراوي (ديمة في العشاق القلوب مرتاحة وانت يا قلبي الما لقيت ليك راحة)، وهي اغنية لا تتخيل ان الذي تغنى بها (جزار) يعمل في السلخانة ويذبح العجول والخرفان، ويتعامل في هذا المجال بالساطور والسكين.
· وهل ننسى إن نسينا أغنية أستاذنا تاج السر عباس (صابر معاك صبراً طويل) المناحة العاطفية التى لو قدمت في محكمة عاطفية لما خسر الذي يقدمها كمرافعة له.
· العطبراوي جمع بين الأغنية الوطنية في علاها وعموميتها وقوتها والأغنية العاطفية مع كل انكساراتها وبكاءاتها وخصوصيتها.
· فعلها العطبراوي بصوت فيه اريج التراب وريحة الورش وصوت القطارات.
· أنا اجزم بأن صوت العطبراوي وصوت عبد العزيز محمد داؤود وصوت محمود عبد العزيز اصوات فوق قدرات الحناجر البشرية .. فهذه الأصوات يجب ان تخضع للدراسات والبحوث، فنحن حتى وقتنا هذا مازلنا دون اكتشاف طلاسمها وتضاريسها وعلومها وأسرارها وأساطيرها.
· اعتقد اننا لو درسنا هذه الاصوات (علمياً) سوف نعرف من اين اتت هذه العزة والقوة والشموخ للسودانيين؟
· يمكننا أن نجد أن أصول هذه (الثورات) المجيدة من الثورة المهدية وحتى ثورة (19) ديسمبر المجيدة قد خرجت من هذه الاصوات.
· هذه الأصوات هي كنوز وحضارات يجب أن نقف عندها ونكشف عوالمها الخفية التي مازالت عصية على العلم والقدرات البشرية العادية.
(4)
· بغم/
·عندما تحبطنا السياسات وسخافاتها ونصدم بأقزامها فيصيبنا الاحباط واليأس، أعود الى هذه الأسماء فيعود فرحي بهذا الوطن وعظمته.
· سوف تمر علينا في الأيام القادمة ذكرى الاستقلال المجيد، وسوف نلبس أصوات العطبراوي ومحمد وردي (شالات) و (عمم) و (نخوجل) بها في الطرقات ونحن سعداء بذلك.
محمد عبد الماجد – صحيفة الانتباهة