مبروك ياسودان
بعد ٢٧ سنة من الوجود في قائمة الدول الراعية للإرهاب خرج اليوم السودان من هذه القائمة القاتمة وترك خلفه سوريا وإيران وكوريا الشمالية، ويرجع الفضل في هذا الخروج لأبناء وبنات السودان الذين أسقطوا الطاغية البشير ونزفوا على الطرقات دما احمرا قانيا لون السماء وضمخ الريح وزرع الأرض وردا للحرية وحقولا للوعد والمستقبل. فشكرا لهم وشكرا للصف الطويل من المناضلين والمناضلات الذين وقفوا في وجه الشمولية وقالوا لا، ابتداءا من تسعينيات القرن الماضي متمثلا في قادة وأحزاب وقوات التجمع الوطني الديمقراطي مرورا بكل مراحل النضال والثورة التراكمية حتى ١٩ ديسمبر ٢٠١٨.
دخل السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب نتيجة ممارسات نظام الإنقاذ وجماعة الكيزان منذ وقت مبكر بعد انقلابهم في ١٩٨٩ على النظام الديمقراطي حيث اعلنوا عن تنظيم المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي في ١٩٩١، وفتحوا منافذ السودان البرية والبحرية والأرضية لاستقبال الجماعات المتطرفة الإسلامية، وهو ما كان المدخل لاعلان أميركا في عام ١٩٩٣ عن اتهام السودان برعاية أنشطة إرهابية وفتح الأراضي للجماعات الإرهابية المتطرفة من شتى بقاع العالم، ومن يومها يقبع السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب،ولم يفارقها الا اليوم الاثنين.
لم يتوقف ارهاب الكيزان حتى بعد ادراجهم في قائمة الارهاب، حيث شاركوا في حادثة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا في عام ١٩٩٥، ثم استقبلوا المجاهدين العرب والمسلمين الفارين من افغانستان بعد خروج الاتحاد السوفيتي منها، ثم في أغسطس ١٩٩٨ وفي وقت متزامن حدث تفجير سفارتي أميركا في نيروبي بكينيا ودار السلام بتنزانيا، وتبنى التفجيرات تنظيم القاعدة الذي عاش قائده بن لادن في سودان الإنقاذ سنين عددا وفتحت له المعسكرات لتدريب الارهابيين والمتطرفين، وردا على ذلك قصفت امريكا مصنع الشفاء في الخرطوم ومواقع متعددة في افغانستان، ولم يقف إرهاب الكيزان هنا حيث تم في عام ٢٠٠٠ تفجير المدمرة الأمريكية كول في شواطيء اليمن مما أدى إلى مقتل ١٧ بحارا اميريكيا، فزادت العقوبات الاميريكية على السودان، ولم يشفع للنظام تسليمه كارلوس لفرنسا في عام ١٩٩٥ ولا مغادرة بن لادن للسودان في عام ١٩٩٦ فالنار التي اوقدها النظام قد عمت وانتشرت ولم يعد من الممكن محاصرتها.
سجل الإنقاذ الحافل بالإرهاب العالمي قابله سجل حافل بالإرهاب الداخلي من تقييد الحريات والكبت والقهر والحروب الدينية والمذابح والجرائم ضد الإنسانية واقساها ما حدث لمواطني دارفور الذين دفعوا مئات الآلاف من الأرواح ثمنا وملايين النازحين واللاجئين، ومثل تاريخ الإنقاذ صفحة مظلمة من تاريخ بلادنا، أقفلتها البلاد بالدماء والتضحيات ليشرق اليوم فجرا جديدا يتحرر فيه السودان من أغلال هذا القائمة وينطلق إلى رحاب العالم دولة محبة للسلام وصديقة للجميع، وهو ما يتطلب من الشعب جميعا ومن حكومته الانتقالية الاستفادة القصوى من الفرص التي سيوفرها خروج البلاد من هذه القائمة من أجل إصلاح الاقتصاد وتعافي الجنيه السوداني فهل نحن قادرون؟!
يوسف السندي – صحيفة التحرير