أسماء جمعة تكتب الأحزاب السودانية ما زالت تهدد الديمقراطية
الشباب الذين فجروا ثورة ديسمبر لديهم حساسية مفرضة إن لم تكن كراهية عمياء للأحزاب، والأمر لم ينبع من فراغ وإنما بسبب إرثها السيىء وحاضرها الأسوأ الذي يرتقي لأن نسميه عار، ولسنا بصدد أن ننبش ذاك الماضي الذي يفضحها كلها بلا استثناء حتى الجديدة وتلك التي تسمى (أحزاب الفكة) التي خرجت من أحزابها القديمة قبل أعوام قليلة بحجة التجديد والانفتاح، واتضح أنها مجرد صورة مصغرة أخرى.
الحق يقال ما وصلنا إليه الآن من تردٍّ سياسي ساهمت فيه الأحزاب مساهمة كبيرة جدا، فهي تقول ما لا تفعل وتدعي ما لا تؤمن به، وهي من ورطت الجيش في السياسة، فكل حزب شعر أنه عاجز عن الوصول إلى السلطة بمقدراته يستغل العسكر، وحتى بعد أن يصلا يفشلان معا ويدخلان البلد في مأساة جديدة. عبود أدخلنا في أزمة بعد استلامه السلطة من حزب الأمة، زادت الأزمة عندما جاء انقلاب اليسار(نميري)، واستفحلت جدا بانقلاب الإسلاميين، ونحن الآن ندفع الثمن غاليا.
الأمر المؤسف أن الأحزاب لم تتعظ ولم تتعلم الدروس لأكثر من 65 سنة فشل، فما زال سلوكها السياسي يؤكد أن لا شيء يهمها غير مصالح الفئة التي تقودها، ودونكم صراع قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة التي تتصارع على المناصب والبلد تنهار، لا أحد منهم يقدم رؤية ولا حل، ما يؤكد أنها غير مؤهلة أخلاقيا للمهمة وقد أصبحت هي المهدد الأول للتحول قبل العسكر، فهي بمواقفها المتباينة تشجع الجيش على أن يستمر في تحكمه بالدولة وسهلت له المهمة، هذا غير أنها تساهم في استمرار الأزمات وتهيئة المناخ للنظام المخلوع ليعمل على ضرب كل نجاح قد يتحقق، ولولا الشعب لما مر عامين على الثورة فهو وحده من صبر وتحمل فشل هذا التجمع والدفاع عن الفترة الانتقالية.
أعتقد أن الأحزاب السياسية كلها إن كانت فعلا نزيهة وهدفها الوصول الى ديمقراطية سليمة، لساهمت في الفترة الانتقالية بطريقة افضل وابتعدت عن الصراع على المناصب لتأسيس نفسها ومعالجة مشاكلها الموروثة لتدخل الانتخابات وهي احزاب حقيقية، ولكنها تصر على (المكابسة) في كل شيء وليس هناك حزب واحد يمكن ان نقول عليه الآن عاقل يستطيع الشعب ان يثق فيه، نرجو منها ان تكف عن هذه الفوضى والصراعات وتعيد النظر في نفسها حتى لا تهدد التحول هذه المرة مثل كل مرة.
أغلب الدول التي اصبحت لديها ديمقراطية راسخة امتلكت احزاب قوية لها قاعدة اكتسبتها من خلال مبادئها ورؤيتها وبرامجها الوطنية الهادفة ونحن الآن احوج ما نكون الى احزاب تحجز موقعها بقوتها، وبما ان الأحزاب السودانية كلها غير مستعدة لإعادة النظر في نفسها فليبدأ شباب الثورة في تأسيس حزب يجمعهم يؤسس على اهداف ومبادىء ورؤى تجعله حزباً قادراً على المضي بثبات ليتحدى هذه الأحزاب المعمرة رغم انها مولودة بجينات الفشل.
أسماء جمعة – صحيفة السوداني