في ذكري ثورة ديسمبر المجيدة ١-٢
اليوم الذكرى الثانية ليوم عظيم من ايام الشعب السوداني البطل ، ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة … الثورة التي ابهرت العالم بصمود شبابها وجسارة نسائها … الذين تحدوا الرصاص بصدور عارية … انتصروا على قوة السلاح بقوة الارادة وسلمية الثورة … انحاز العسكر للشعب مجبورا وليس مختارا حقنا للدماء، وتحالف قادة الثورة مع اللجنة الامنية للنظام البائد مراعاة لتوازن القوة بين الشعب والعسكر في اللحظة التاريخية المفصلية ، وايضا حقنا للدماء ولمواصلة مسيرة الثورة من داخل السلطة المشتركة بين قوى الحرية والتغيير واللجنة الامنية للبشير … فكانت الوثيقة الدستورية من اجل تنظيم اجهزة الدولة وتحديد سلطاتها وصلاحياتها وتنظيم العلاقة بينها وبيان مهامها في تنفيذ اهداف الفترة الانتقالية لتحقيق شعار الثورة حرية سلام وعدالة …
والامر الاكثر اهمية هو جرد الحساب لتقييم اداء حكومة الثور وحاضنتها خلال الفترة المنصرمة ، خاصة وانه في هذا اليوم شهدنا المسيرات والمظاهرات التي تطالب بالتصحيح واخرى تطالب بالاسقاط ، وبعض المظاهرات ضد الثورة من المندسين من انصار النظام البائد .
اهداف الثورة لاتتحقق ضربة لازب في سنة او سنتين ، يشهد تاريخ الثورات بالعالم وتاريخ الثورات السودانية ان اهداف الثورة لاتتحقق بين ليلة وضحاها .
صحيح ان الهدف الاول وهو اسقاط النظام قد تحقق على المستوى الشكلي بإسقاط السلطة البائدة وبتكوين الحكومة المدنية ، والمتوخاة من الحكومة المدنية تنفيذ الوثيقة الدستورية بوضع الاساس المتين للتحول الديمقراطي المعافى من شوائب النظام البائد بإزالة آثاره الضارة بمسيرة الشعب السوداني والسير قدما نحو البناء والتقدم ، بعد عام وثلاثة اشهر من تشكيل الحكومة وبمراعاة الظروف الموضوعية لتكوينها وطبيعة التناقضات القائمة بين قوى الثورة نستطيع ان نقول انها لم تنجح في مهامها بالمستوى المطلوب لعدة اسباب اهمها :-
١- اختطاف قيادة الثورة “المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير” من عناصر لم ترتقي الى مستوى تطلعات الشعب ولاتتمتع بالقدرات اللازمة لادارة الصراع لمصلحة اهداف الثورة ، وتعطيلها قيام المجلس التشريعي الذي يشكل صمام الامان للثورة وصوتها المعبر عنها والذي يبعدها عن الخلافات غير المنضبطة مؤسسيا ، والموافقة على تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية الذي ادى الى المزيد من الانقسامات بين قوى الثورة وكاد ان يستغل من قبل المكون العسكري بديلا للمجلس التشريعي ، والتباطؤ في تشكيل المفوضيات ، والتساهل مع المكون العسكري وتمكينهم من ملف السلام .
٢- تكرار احزاب الحرية والتغيير لممارساتها السياسية غير الراشدة والتي تقدم المصلحة الحزبية على المصالح الوطنية العليا والتي كانت دائما السبب في الدائرة الشريرة التي ظل الشعب السوداني يقبع بداخلها من حكم ديمقراطي يعقبه حكم دكتاتوري وهكذا دواليك ، الامر الذي ادى الى تعميق الصراع الحزبي داخل تجمع المهنين وقوى الحرية والتغيير .
٣- ابعاد الثوار الحقيقين الشباب والنساء من قيادة قوى الحرية والتغيير
٤- فشل الحكومة المدنية في الزام العسكر حدود الصلاحيات الممنوحة لهم بموجب الوثيقة الدستورية والمقتصرة على الجانب الامني فقط ، وتركهم يتدخلون في اختصاصات الحكومة المدنية وخاصة في مجال السياسة الخارجية واستمرار الارتباط بسياسة المحاور التي تعمل من اجل مصالحها التي تتعارض مع مصالح الثورة ولايزال الشباب السوداني يستخدم كمرتزقة للقتال بالنيابة عن المحاور بدم مستعار ، وتعطيل العدالة وعدم الاقتصاص لدماء الشهدا الابرار الذين قدموا ارواحهم الطاهرة مهرا للثورة ، وعجز الحكومة المدنية عن استعادة الشركات العسكرية الى وزارة المالية . وبالتالي الفشل في تخفيف الضائقة الاقتصادية وتحسين معيشة الناس .
٥- رغم وعي شباب الثورة العميق بضرورة التغيير ووسائله والنجاح في تحقيقية على مستوى اسقاط النظام الا ان الكثير منهم يفتقر الى الوعي بكيفية ادارة مرحلة البناء وادارة الاختلاف السياسي بين الثوار بحكمة وعقلانية دون تحويله الى خلاف ، الامر الذي جعل الكثير من قياداتهم يقع فريسة للاعلام المضاد لقوى الردة دون وعي ، اذ لايزال اعلام النظام البائد يعمل على صياغة توجهات بعض قوى الثورة من خلال الاخبار المدسوسة باسم الثوار كالرصاص “المغمز “بالسكر .
٦-الدكتور حمدوك لديه رؤية واضحة واثقة ، عامة وكلية ، للنهضة الاقتصادية للسودان قائمة على تجارب ناجحة مشابهة كان شاهدا عليها وفاعلا فيها كتجربة اثيوبيا ورواندا ، ولكن تفاصيل العمل من اجل تحقيق الرؤية الكلية ووضع المشروع الوطني والبرامج التنفيذية للنهوض الاقتصادي بحاجة الى عمل جماعي يشارك فيه الكفاءات ذووا الاختصاص في بيئة من الاستقرار السياسي ، حمدوك حقق الخطوة الاولى في بناء الاقتصاد الوطني برفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وهذه قفزة كبرى على الشعب السوداني الاحتفاء بها ودعم حمدوك لمواصلة الانجاز حيث لاتزال الدولة في مرحلة الانهيار الاقتصادي الشامل وانعدام الرؤية من حيث الموارد المتاحة حتى لميزانية سنة واحدة للوفاء بابسط ضروريات الحياة اليومية ، زد على ذلك الدور المعطل للاقتصاد المحلي والعالمي لجائحة كورونا التي قضت على تسعة اشهر تمثل اكثر من نصف عمر الحكومة التي لم تتجاوز حتى الان خمسة عشر شهرا ، واذا نظرنا لاداء الحكومة نظرة منصفة فان عمرها الفعلي لايتجاوز الستة اشهر لاتكفي لتنظيف الوزارات من دنس وعراقيل النظام البائد واستيعاب آلية عملها وكيفية تسييرها كواقع لتغييره بطريقة واعية بواقع الحال وتحسين مستوى الاداء .
٧- سعي اعلام اتباع النظام البائد “والمندسين ” وخاصة عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي لشيطنة حكومة الثورة وافشالها على الرغم من انها تعلم ان عودتها للحكم في حكم المستحيل وان ثورة ديسمبر الظافرة لن تتراجع ولن تحيد عن الطريق ، وان المكون العسكري ايضا يعمل سرا لافشال حكومة الثورة ، وللاسف بعض قوى الثورة الحية ومن منطلق وطني تسير الى ذات الهدف بوعى ينظر الى الصورة من زاوية واحدة فقط وكثير من الثوار يرددون دون وعى اسقاط الحكومة التي هي حكومة الثورة .
٨-من اولويات مهام الثورة تحقيق السلام وايقاف الحرب ، بعد عشرة اشهر تحقق السلام الا انه جاء منقوصا ، ويتوجب على الحكومة المدنية اكمال السلام والامساك بملف السلام حتى يكتمل السلام فيما تبقى منه بما يحقق اهداف التغيير الشامل واجبار المكون العسكري عن طريق اتفاق السلام القادم باعادة هيكلة القوات النظامية ودمج جميع القوات والمليشيات في جيش قومي واحد عقيدته حماية الدستور والوطن والمواطن بعيدا عن العمل السياسي .
٩- عدم صبر الشعب السوداني على حكومته التي اتى بها لادارة الفترة الانتقالية من جهة وصبر حمدوك المبالغ فيه على المكون العسكري للدرجة التي جعلتهم يستغلون هذا الصبر ايما استغلال ، نعلم ان حمدوك يستبطن التجربة الرواندية الناجحة التي قادت الزعماء الذين ارتكبوا الابادات الجماعية الى المحكمة الجنائية الدولية بعد اكثر من عشرة سنوات من بداية التحول الديمقراطي في رواندا وكانوا جزءا منها خلال دورتين انتخابيتين كل دورة مدتها خمس سنوات ، تم اقتيادهم للمحكمة الجنائية الدولية بعد استقرار البلاد واقامة البنيات الاساسية وجذب الاستثمار وترسيخ الديمقراطية وضمان تحصين البلاد من الردة الى الحرب ، فهل يستطيع الشعب السوداني الصبر على دم الشهداء لتجنيب البلاد مزالق الردة والعودة الى الحرب ، خاصة بعد توقيع اتفاق السلام مع من فقدوا عشرات الالاف من الشهداء الذين قاتلوا بالسلاح ضد النظام البائد من ذويهم واقاربهم الاعزاء لديهم من الشعب السوداني بدارفور وكردفان والنيل الازرق والشرق ،
١٠-الخطا الذي ارتكبه حمدوك انه مد حبال الصبر للمكون العسكري باكثر مما يلزم لمنع تمددهم في السلطة ، ولم تفلح قيادة الحاضنة السياسية في دعمه باستخدام العصا الغليظة المجربة ضد العسكر وهو الشوارع التي لاتخون ، كان على حمدوك رفع عصا الشارع بين الحين والاخر وكلما تجاوز العسكر حدوده ، على ان يتم استخدام الشارع بحساب دقيق وبتنسيق كامل مع قيادة الحاضنة السياسية وعند الضرورة . ولكن خطا الجميع هو استخدام الشارع في وجه الحكومة وليس في وجه العسكر .
وختاما وبعض عرض مسير التجربة اري ان الحل فيما يلي:-
١- اعتبار مسيرات ومظاهرات واحتفالات اليوم بداية تجديد لمسيرة الثورة وتمرين جديد لمسيرات ومظاهرات قادمة منظمة بعناية فائقة على ان توجه ضد المكون العسكري وليس ضد الحكومة المدنية التي يتم تشكيلها .
٢- احياء مبادرات لتوحيد قيادة الثورة باعادة تشكيل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وادخال عناصر مختارة من قيادات لجان المقاومة ومن العنصر النسائي من شباب الثورة والاحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح بنسب يتفق عليها على ان يظل الهادي هو اعلان قوى الحرية والتغيير .
٣- إلتزام حمدوك بمطالب الشارع التي رفعت اليوم والعمل على تنفيذها باستخدام الشارع . والثورة مستمرة وعلى العسكر التزام حدودهم وفق الوثيقة الدستورية. وعلى حمدوك ان يعدل سلوكه مع العسكر تدريجيا اعلانا لنفاذ الصبر الذي لم يعد مجديا ، والتزاما بمطالب الجماهير والشوارع التي لاتخون .
٤- ان تتشكل الحكومة الجديدة من التكنوقراط والسياسيين والشباب والنساء بنسب يتفق عليها ، فقد اثبتت التجربة نقص الخبرة السياسية للتكنوقراط في زمن بات الوعي السياسي ضرورة اساسية للحكم .وان لا يترك الشارع حكومته الجديدة القادمة تحت رحمة العسكر وان تكون على اهبة الاستعداد للخروج عند الضرورة ضد العسكر وليس ضد الحكومة ، يجب تصحيح الصورة المقلوبة الان والدخول للمعارك القادمة بتنظيم عالي الدقة والتوقيت في تلاحم محسوب مع الحفاظ على سلمية الثورة مهما كانت الظروف .
٥- ان يسعى الشباب للانخراط في العمل الحزبي بإنشاء احزاب سياسية جديدة تستفيد من ايجابيات الاحزاب القائمة فكريا وتنظيميا وتتفادى سلبياتها ملتزمين بخط الثورة واهدافها ووضع مصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب .
٦- ان تسعى احزابنا القائمة الى تطوير بنيتها الفكرية والتنظيمية والاستفادة من دروس الماضي والحاضر . وضرورة توقيع وثيقة شرف بين الاحزاب السياسية لحماية الديمقراطية والتصدي للانقلابات العسكرية والعمل على تشريع قانون يعاقب اي حزب سياسي يشارك او يحرض او يدعم اي انقلاب عسكري او يتعاون او يتحالف مع اي نظام دكتاتوري .
عبدالمنعم ابوتفة- صحيفة التحرير