تفاقم أزمة الاقتصاد السوداني وغياب الحلول !!
التاج بشير الجعفري
===============
تزداد الأوضاع الاقتصادية في البلاد سوءاً ومعها تشتد الضائقة المعيشية على الناس ولا نرى اي مؤشر على تحسن يمكن أن يَعطي أملاً في تصحيح هذا الوضع الصعب من شظف العيش والمعاناة التي يتكبدها الناس في سبيل الحصول على أساسيات الحياة اليومية من خبز وغذاء وغاز الطهي والدواء وخلافه.
يجدُر بالذكر هنا، انه في شهر سبتمبر الماضي صادق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على برنامج غير رسمي بإشراف ومراقبة موظفي الصندوق – يُسمى إصطلاحاً – (SMP) وحسب ما جاء في بيان نائبة المدير العام في الموقع الرسمي للصندوق حينها فإن البرنامج الذي يمتد لفترة 12 شهراً تنتهي في نهاية يونيو 2021 يُلبي متطلبات شريحة الإئتمان العليا للصندوق (ويُقصد به معيار تحديد الشرائح المصدقة للدفع كقروض وآجال إستحقاقها وسدادها)، كذلك أشارت إلى أن البرنامج جاء تلبية لطلب الحكومة السودانية لمساعدتها في تنفيذ برنامجها المحلي للإصلاح وتحقيق الاستقرار في الإقتصاد وتحسين القدرة التنافُسية وتعزيز الحوكمة وصولاً إلى إنشاء سِجل حافل بالإصلاح وتنفيذ السياسات والذي يُعد مطلب رئيسي لتخفيف الديون حسب تصريح المسؤولة في المؤسسة الدولية.
ومنذ المصادقة على هذا البرنامج حدثت عدة اشياء منها ان السلطات قامت بزيادة أسعار المحروقات لتتناسب مع اسعارها الحقيقية ونحسب ان تلك كانت خطوة مهمة كجزء من المُعالجات المطلوبة والاستخدام الأمثل للموارد الشحيحة وتوجيهها للتنمية لاحِداث التوازن للاقتصاد، ايضاً كانت إستقالة وكيل التخطيط الاقتصادي قبل ذلك، مما أعطى انطباعاً غير مُريح عن سير الأمور في اروقة الوزارة الهامة والتي ينبني إصلاح كل الوزارات والقطاعات في الدولة على حسن إدارتها وتخطيطها واستخدامها السليم لموارد البلاد وتوجيهها التوجيه الصحيح الذي يعود بالنفع على الإقتصاد.
الآن وقد قاربت نصف الفترة المحددة للبرنامج المذكور على الإنتهاء، لا يستطيع المرء أن يرى أي تحسُن أو إصلاح بل على العكس تماما يزداد الوضع سوءاً فإرتفاع الطلب على العملة الأجنبية على أشده ويتبعه تدهور وإنخفاض مُستمر لقيمة العملة المحلية وما يُصاحب ذلك من زيادة مُضطرِدة في الأسعار وندرة السلع الأساسية من وقتٍ لآخر ودون سابق إنذار او مُبرر سواء التخبط وغياب التخطيط السليم وعدم إستباق المشاكل بالحلول.
جميعنا يعلم الارتِباط الوثيق بين الإستقرار السياسي و ازدهار الاقتصاد وتحقيق معدلات النِمو المطلوبة، ولكن لا يجب أن يُشكل ذلك عائقاً (او عذراً) للقائمين على أمر الاقتصاد من ضرورة العمل الجاد والبحث على الحُلول المُبتكرة والجديدة لتحسين الوضع الاقتصادي، فلا يُعقل ان تكون هنالك مُعالجات إقتصادية “مدروسة” تم تطبيقها ولا نرى تحسناً على الاوضاع الاقتصادية.
ينبغي على وزارة المالية ان تَعلن للناس وبشفافية كاملة عن سير العمل في هذا البرنامج وما هي الأهداف المحققة والمرجوة من تطبيقه؟ وماهي الخطوة التالية له؟
حقيقة يعجز المرء عن فهم عدم مقدرة خبراء المالية والاقتصاد عنِ الوصُول إلى الوصفة العِلاجية لمشاكل اقتصادنا المزمنة رغم تأكيدهم أن البلاد تمتلك موارد اقتصادية كبيرة، وآخر من سمعت منه هذا التصريح هي وزيرة المالية المكلفة في لقاء لها مع إحدي القنوات الفضائية الخارجية، فإذا كانت البلاد تتوفر على كل هذه الموارد المهولة – وهي الحقيقة بالطبع – فلماذا نحن عاجِزون عن إيجاد الخطط اللازمة لإستغلال هذه الموارد بالطريقة المُثلى بدلاً من إنتظار الدعم الأجنبي من الخارج؟ وأنا هنا لا أقلل من أهمية الدعم الخارجي كعامل مساعد ولكن لا نُعلق كل آمالنا وتطلُعاتنا عليه بل يجب أن نسعى لابتكار الحلول ونجتهد للإستفادة مما لدينا من إمكانيات وموارد طبيعية كبيرة وخبراء مؤهلون على أعلى المستويات وفي كل المجالات، يشهد على كفاءتهم القاصي والداني.
لا يمكن ولا يجب أن ننتظر الدعم الخارجي قبل أن نقوم بما يلينا من عمل وتخطيط سليم واهداف واضحة، لأن الدول والمؤسسات المالية العالمية التي تقدم القروض ليست جمعيات خيرية وإنما يهمها التأكد من أن الدولة المقترضة لديها من السياسات والحوكمة الإدارية والخطط السليمة ما يمكنها من الاستخدام الأمثل للأموال المُستدانة علاوةً على القدرة على سدادها، وهو ما يُستشف من فحوى البرنامج المذكور أن الحل يجب أن يبدأ بخُطط وإصلاحات تتِم من جانبنا قبل طلب الدعم والعون من الخارج.
وكنت قد كتبت في مقال سابق عن ضرورة الإتفاق على برنامج إصلاح اقتصادي شامل يمكن بموجبه التوجه للمؤسسات المالية المقرِضة والمانِحة،
وأعتقد أن أهمية البرنامج المقترح تكمن في الآتي:
1) أنه سيُمثل نقطة الإنطلاق ويضع المُفاوِض السوداني في موقِف أفضل بوجود برنامج مُجمع عليه من كل الأطراف المعنية.
2) وجود مِثل هذا البرنامج سيقطع الطريق على أسلوب التجريب و الحلول المُجتزاءة التي لم تُحقق أي نتائج ملمُوسة، ايضا سيُلزم أي وزير قادم للوزارة بالعمل والبناء على ما قام به سلفه وهو شرط يجب أن يلتزِم به اي وزير جديد وينصاع له.
3) سيُمثل ضمان للحصول على أفضل الشُروط الممكنة في الإتفاقيات المُبرمة، إضافة لوجود اللجنة الاستشارية المُشَرِفة عليه والتي ستكون المرجعية للجِهات التنفيذية المُفاوِضة.
يقيني ان مشكلة الاقتصاد السوداني ليست بالمستحيلة على الحل ولكن يتطلب الأمر العزم والجِدية والتخطيط السليم وإبتكار الحُلول وتغيير طريقة التفكير وإشراك الشباب من المختصين في هذا الجُهد لأن الحُصول على حُلول ناجِعة وجديدة لما لدينا من مُشكِلات يستوجب تغيير طريقة التفكير التي تسببت في حدوثها، وذلك بدلاً من اللُجوء للحُلول التقليدية والسهلة التي تضع المزيد من الأعباء على كاهل الناس وقد لا تُحقق الهدف المنشود.
صحيفة الانتباهة