مزمل ابو القاسم

الاتجاه المعاكس


* اختار سعر الدولار أن يتحرك في اتجاهٍ معاكسٍ لحركة السياسة في بلادنا، لتتضخم قيمته أمام الجنيه، كلما لاحت بشارةُ تنبئ بعودة بلادنا إلى حضن المجتمع الدولي بعد طول فراق.
* الأنباء الواردة من السوق الموازية أشارت إلى أن الدولار اتجه ثانيةَ إلى شارع الستين، مؤذناً ببلوغ سقف المائتين وسبعين جنيهاً.
* تم ذلك في اليوم نفسه الذي أجاز فيه الكونغرس الأمريكي قانوناً يمنح السودان حصانةً سيادية من الملاحقة في بعض قضايا الإرهاب، ويؤذن بضخ ما يفوق التريليون جنيه في خزائننا الخاوية.
* توقع المتفائلون أن يسهم رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية السوداء، وإقرار قانون الحصانة السيادية في تحسين قيمة العملة الوطنية، وأن تضخ تلك المستجدات المفرحة بعض الحياة في جسد الجنيه المنهك، لكن الواقع أشار إلى غير ذلك، مما يؤكد مقولة إن الدولار في بلادنا لا يتقن الحديث إلا بلغة الإنتاج، وأن الحل الناجع لمشاكل الاقتصاد السوداني يكمن في الداخل وليس الخارج.

* ذكرنا من قبل أن الدولة مطالبة بأن تعيد صياغة النظام المصرفي الوطني كي يستوعب المستجدات الحادثة على مستوى العلاقات الدولية، ويتمكن من معاودة الاندماج في النظام المصرفي العالمي، بما يمكنه من اجتذاب تحويلات السودانيين العاملين في الخارج، بعد أن زالت القيود المفروضة على التحويلات.
* تمرد الدولار وتوالي تصاعد أسعاره نتيجة حتمية لضعف الاقتصاد الكلي، وضعف الاقتصاد محصلة طبيعية لضعف الإنتاج، نتاجاً لسياسة (الحلول السهلة) التي تتبعتها الدولة لتمويل أنشطتها ومنصرفاتها، بالإفراط في طباعة أوراق النقد، وإضعاف الصناعة والزراعة بالامتناع عن دعمهما بدلاً من تشجيعهما.
* أدت تلك السياسة الخاطئة إلى تحويل صغار المنتجين إلى عاطلين، وخنقت الاقتصاد، ورفعت معدل التضخم، وتسببت في غلاءٍ فاحش، ومنحت الدولار المزيد من التحفيز كي يفرد عضلاته في مواجهة الجنيه الغلبان.
* نسأل: ما قيمة الدعم، وما المحفزات التي قدمتها الحكومة للقطاع الزراعي كي يزدهر على مدى 15 شهراً أمضتها في السلطة؟

* هل تم إنجاز أي شيء من الوعود البراقة التي بذلها رئيس الوزراء، بحديثه عن ضرورة تنشيط الصناعات التحويلية كي تضخ قيمةً مضافةً على منتجاتنا الزراعية الخام.. أم بقيت وعوده معتقلةً في محطة (طق الحنك)؟
* كم يبلغ عدد المصانع التي نالت ميزات تفضيلية وتمويلات بنكية كي تعاود نشاطها، وتزيد معدلات إنتاجها، وتسهم في رفد الدولة بدولارات الصادر؟
* في المقابل.. كم يبلغ عدد المصانع التي خرجت عن نطاق الخدمة خلال الفترة الماضية؟
* ماذا أضافت الدولة لقطاع الثروة الحيوانية من مسالخ حديثة ومحاجر مطابقة للمواصفات الدولية، وبواخر صادر مهيأة لاستقبال البهائم؟
* الإجابة صفر كبير، فالإضافة الوحيدة تمثلت في تحميل السعودية أوزار فشلنا بوقف صادرات الماشية إليها بفقه (البصيرة أم حمد).

* المراقب لساحات الإنتاج يسمع شكاوى بالجملة، من مزارعين يولولون من غلاء واحتجاب مدخلات الإنتاج من جازولين وتقاوى وأسمدة ومبيدات، مثلما يشكون من غياب الآليات، ومن مشاكل عويصة في الري.. وعن أزمات الصناعة حدِّث ولا حرج، لأن عدد المصانع المتوقفة عن العمل يساوي أضعاف العاملة.
* الحل الناجع يتم بزيادة الإنتاج، وبدعم الزراعة والصناعة وإنعاش قطاع الثروة الحيوانية، وبتحسين أداء القطاع المصرفي كي يتمكن من اجتذاب تحويلات المغتربين ويسهم في تمويل الإنتاج، ودعم الصادرات، وقد أثبتت دراسة صادرة من البنك المركزي أن مصارفنا خصصت ما نسبته (2%) فقط لقطاع الصادر من قيمة تمويلها الكلي على مدى ثلاث سنوات متصلة.
* الحل الناجع يكمن هنا، وليس في واشنطن ولا لندن ولا باريس ولا أوسلو، لكن قلب هذه الحكومة معلقٌ بالخارج.. بحثاً عن سراب بقيعةٍ تحسبه حكومة حمدوك ماء.

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي