بانوراما تاريخ ودروس الاستقلال
في ٢٦ يناير ١٨٨٥ حررت الثورة المهدية السودان من الاستعمار التركي الانجليزي، ظل السودان مستقلا حتى جاء الغزو الإنجليزي المصري في ١٨٩٨ وأعاد السودان مجددا لقيود الذل و الاستعمار، تواصل نضال السودانيين ضد المستعمر حتى تم توقيع اتفاقية الحكم الذاتي في ١٢ فبراير ١٩٥٣ والتي تنص على حكم ذاتي سوداني وتقرير السودانيين لمصيرهم بعد ثلاثة سنوات، انقسم السودانيون بين التيار الاستقلالي بقيادة حزب الأمة والذي يدعو إلى استقلال السودان والتيار الاتحادي بقيادة الحزب الاتحادي الذي يدعو إلى الوحدة مع مصر.
في عام ١٩٥٤ أجريت اول انتخابات عامة سودانية في ظل الحكم الذاتي، فاز بها الحزب الاتحادي واختير الأستاذ إسماعيل الأزهري رئيسا للوزراء. حدثت تطورات كثيرة على الصعيد الإقليمي والدولي والداخلي في الفترة التي أعقبت رئاسة الأزهري للوزارة مما جعل التيار الاتحادي يتراجع عن خيار الوحدة مع مصر ويصطف مع التيار الاستقلالي مناديا بالاستقلال، ترجم هذا الاصطفاف عمليا داخل البرلمان في ١٩ ديسمبر ١٩٥٥ حين تقدم عبدالرحمن دبكة النائب البرلماني عن حزب الامة باقتراح اعلان استقلال السودان من داخل البرلمان وقام بتزكيته مشاور جمعة سهل النائب عن الحزب الاتحادي وتم التصويت بالإجماع على الاقتراح وأرسلت وثيقته إلى النائب العام مكتوب فيها (نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعا نعلن باسم شعب السودان ان السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة ونرجو من معاليكم ان تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف بهذا الإعلان فورا ). اعترفت دولتي الحكم الثنائي باستقلال السودان وأحتفل رسميا بجلاء قوات الاحتلال وإستقلال السودان في الأول من يناير ١٩٥٦م.
تمر اليوم ٦٥ سنة على الاستقلال عاش السودان منها ٥٢ سنة في ظلام ثلاثة انظمة دكتاتورية عسكرية غاشمة، وعاش منها ١٣ سنة فقط في ظل ثلاث حكومات انتقالية ( من ضمنها الحكومة الانتقالية الحالية) وثلاث حكومات منتخبة ديمقراطيا. الانظمة العسكرية الدكتاتورية هي أسوا ما مر بهذا الوطن بعد الاستعمار، اذ قادت الدكتاتورية إلى هزيمة الامة نفسيا ومعنويا، وحطمت روح الوحدة وايمان الشعب بالمصير المشترك، و تجسد هذا في تعميق كل الأنظمة العسكرية لقضية الحرب، وزيادة رقعة الحروبات في عهدها، حتى وصلت رقعة الحرب في ايام حكم الدكتاتور البشير لما يقارب نصف مساحة السودان بانضمام دارفور والشرق لحروب الجنوب والنيل الأزرق وجبال النوبة، ثم اكتمل ذلك بانفصال ثلث مساحة السودان بانفصال الجنوب في عهد الدكتاتور البشير.
قضية الحرب ظلت هي الأزمة الرئيسية لبلادنا منذ الاستقلال، حرب الجنوب كانت أطول حرب أهلية في تاريخ أفريقيا، وانعكس أثر الحرب على كل شيء في البلد، على شكل الحكم والسياسة والثقافة المجتمعية، وظلت الثغرة التي ينفذ منها الانقلابيين لحكم السودان. علم الشعب السوداني فداحة استمرار الأنظمة العسكرية والتكلفة العالية التي تدفعها البلاد في ظل استمرار الدكتاتوريات، لذلك أسقط كل الأنظمة الدكتاتورية بثورات شعبية خالدة قدم فيها الغالي والنفيس وكان بذلك الشعب الوحيد في العالم الذي يسقط ثلاث أنظمة عسكرية متتالية، والآن نعيش في ظل ثورة ديسمبر آخر انتصارات الشعب السوداني على الدكتاتوريات، ونتطلع إلى ان نستفيد جميعا ساسة وجماهير من الدروس والعبر التاريخية التي مرت بها بلادنا، ولا يبدو أن أمامنا الا خيار واحد فقط وهو الصبر على الحكم الديمقراطي وحمايته ودعمه حتى النهاية، فالتجارب العالمية من حولنا تشهد بأن النظام الديمقراطي المستمر والمتماسك هو الطريق الأكيد لبلوغ النهضة والتنمية والرفاهية ورضا الشعوب، فهل نحن صابرون؟!.
يوسف السندي