محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: عبد الحكيم الطاهر.. (حكيم) الدراما السودانية

(1)
] في مجال المسرح الكوميدي الذي يعالج قضايا اجتماعية معقدة، لا اعتقد ان هناك اعظم من هذه المسرحيات التى وضعت اللبنات الاولى للكوميديا المسرحية التى تقدم في غالب ساخر عميق.
] نحن كنا نملك عباقرة في المسرح قادرين على ان يقدموا قضايا المجتمع في قوالب ساخرة على المسرح.
] قدموا رسالتهم في وقت كانت تكمم فيه الافواه، وما كان من سبيل للحقيقة والنقد للسلطة غير المسرح.
] في تقديري الخاص ان هذه المسرحيات تتصدرها (خطوبة سهير) للكاتب المسرحي العبقري حمدنا الله عبد القادر وللدرامي الفذ مكي سنادة وسيدة المسرح السوداني تحية زروق. اضافة لمسرحية (أكل عيش) للفاضل سعيد ونبيل متوكل والجعفري، ومن بعد ذلك مسرحه الذي انتج (النصف الحلو) و (الكسكتة) وغيرها من المسرحيات، ثم تأتي مسرحية (في انتظار البترول) للمبدع محمد شريف علي وعبد الرحمن الشبلي وسلسلة مسرح محمد شريف علي التى جاءت بعد ذلك (الناس العملوا قروش) و (احلام المكوجية)، ولا ننسى مسرحية (هو وهي) لعلي مهدي، الى ان جاءت مسرحية متفردة اخرى، ربما سبقت بعض هذه المسرحيات، ولا استطيع في هذه المساحة ان افتي في الاسبقية الزمنية. والذي يهمنا الآن ان تلك المسرحية استطاعت ان تشكّل وجودها من تلقاء مجموعة مبدعة من المسرحيين جمع بينهم العمل الذي احدث طفرة ونقلة كبيرة في عالم الضحك من خلال مسرحية (نقابة المنتحرين) لعبد الحكيم الطاهر ومجموعة من النوابغ المسرحية التى سوف نتحدث عن بعضهم لماماً في هذه المساحة.
] مسرحية (نقابة المنتحرين) قدمت نفوذ عيسى تيراب (المسرحي) وثبتت له ذلك الحضور الطاغي في كل الاعمال الدرامية التى يشارك فيها.
] المسرحية ايضاً قدمت بإبداع لا ينافس عبد الواحد عبد الله وعبد الرحمن الشبلي وناهد حسن وجمال عبد الرحمن.
(2)
] من أهم شخصيات المسرح التى تبقى في الذاكرة السودانية شخصية (خليل) التى جسدها مكي سنادة الرجل (العربيد) في مسرحية (خطوبة سهير) ذلك الرجل السكير الذي يهرب من واقعه ويطلق تعليقاته الساخرة مثل (المسامير) على نقد الاوضاع، ليقدمها وهو في حالة اللاوعي بكل الوعى والفلسفة والعمق.
] شخصية اخرى حفرت وجودها في وجدان الشعب السوداني وخلقت لنفسها كينونة لوحدها، وصارت بكل تفاصيلها المسرحية شخصية موجودة في حياتنا يرجع اليها كمرجعية في المجال الذي تطرقت له تلك الشخصية. لا بد انكم عرفتم اني اتحدث هنا عن عبد الحكيم الطاهر في مسرحية (نقابة المنتحرين) والتى كتبها المسرحي والصحافي الكبير النعمان حسن، فكانت من اهم علامات المسرح السوداني في القرن الماضي.
] عبد الحكيم الطاهر الذي جسّد في المسرحية شخصية (كابتن كابو) وهو لاعب كرة يفقد نجوميته وشعبيته ويرمى به الزمن بعد الاعتزال (وبعد ان فكت الكورة منه) كما كان يقول في المسرحية، فى مزبلة التاريخ فيفكر في الانتحار… ليلتقي مع مجموعة محبطة جاءت من اجل نفس الهدف ليكونوا (نقابة) للمنتحرين.
] مهم ان نقول وقتها انه كان للنقابات تأثير وقوة كبيرة في السودان تنعكس حتى على النشاط السياسي.
] كابتن كابو كان مجرد ان يدخل على خشبة المسرح بشورت من (الدمورية) وحذاء رياضي يبدو اكبر منه و (كرش) تمتد امامه، يشيع الضحك في قاعة المسرح ويدخل الجمهور في حالة من حالات الضحك الهستيري لا يتوقف حتى بعد انتهاء المسرحية.
] هذه العبقرية التفتت في وقت مبكر جداً، وقبل ان ندخل على عهد الاحتراف، الى افول نجومية لاعبي الكرة وانصراف الناس عنهم وفقد حتى مداخل رزقهم بعد الاعتزال.
] ربما ثقافة النعمان حسن الرياضية وتمكّنه من ادوات هذا المجتمع وهو صحافي رياضي شهير، هى التى جعلته يكشف تلك العوالم والمصائر المظلمة والمؤلمة للاعبي كرة القدم بعد ان يتقدم بهم العمر.
] اما عبد الحكيم الطاهر فهو ان جسّدت كتلة (جبل) او (خشب) قادر على ان يضحكك وينقل لك الرسالة الهادفة التى يريد المسرح ان يوصلها للمجتمع… فهو يمنح الحيوية والنشاط حتى لتلك الجمادات.
] لقد اصبحت شخصية (كابو) التى جسدها عبد الحكيم الطاهر في مسرحية (نقابة المنتحرين) شخصية (نمطية) في الحياة السودانية مثل (عمك تنقو) واضحت تعليقاته في المسرح تروى ويتداولها الناس مثل طرائف جحا وحكم الشيخ فرح ود تكتوك.
] استطاع عبد الحكيم الطاهر ان يقدم رسالة قوية ومهمة للاعبي كرة القدم وللمجتمع بصورة عامة ربما لو صرفت الجامعات والمعاهد وقتها كله من اجل ان توصل هذه الرسالة لما استطاعت كما فعل (كابتن كابو).
] اظن بعد ذلك ان الاسم نفسه استغل لتسويق بعض منتجات الالبان بعد الشهرة التى حققها له عبد الحكيم الطاهر، كما دخل هذا الاسم في الوسط الرياضي وأصبح الكثير من اللاعبين يحملون هذا الاسم، ولعل اشهرهم لاعب الموردة الحريف علي كابو الذي كان احدى فلتات نادي الموردة العريق.
(3)
] عبد الحكيم الطاهر نجاحاته لم تقتصر على تركيز ابداعه كله في شخصية (كابو)، وانما كان عبد الحكيم الطاهر قادراً على ان يجعل كل شخصية يجسدها في المسرح او التلفزيون شخصية (نمطية) لها وجود وحس وحياة ونماذج بين الناس.
] لا ننسى دور عبد الحكيم الطاهر في مسلسل (سكة الخطر) انتاج سنة 1997م وهو يقدم شخصية (الريِّس) الذي كان مع انه مجرم ويعمل في وسط اجرامي يمتلك اخلاق الفرسان ويعرف الوفاء والاخلاص.
] شخصية (الريِّس) التى قدمها عبد الحكيم الطاهر في مسلسل (سكة الخطر) جعلت كل الشعب السوداني يعرج، وذلك لأن عبد الحكيم الطاهر قدم شخصية رجل (أعرج) ــ اثر في الناس حتى بذلك (العرج).
] كذلك لا ننسى دوره في مسلسل (دكين) الشاويش حميدة ــ كان عبد الحكيم قادراً على ان يضع بصمته في أي دور يلعبه او شخصية يجسدها… وفي كل ادواره سوف تجد ذلك التميز.
(4)
] بقي ان اقول عن عبد الحكيم الطاهر الذي رحل عن دنيانا امس رحمة الله عليه، انه بدأ من الصفر ــ كان مجرد عامل في المسرح القومي ليصبح بعد ذلك في مرتبة أعلى من مرتبة مدير المسرح القومي ــ اصبح عميداً واستاذاً جامعياً، ونال الدكتوراة في مجاله (الدرامي)، بل اصبح رائداً لفكرة مسرح الصم في السودان، ونال جائزة العرض المتفوق من مهرجان إسبانيا للصمّ عام 2003م.
] هذا الكفاح وهذا النضال والتفوق العلمي والأكاديمي سبقه إبداعاً وتفوقاً في الدراما المسرحية والتلفزيونية.
] عبد الحكيم الطاهر كان أنموذجاً للتفوق والإبداع والكد والاجتهاد والعمل.
] رحمة لله على عبد الحكيم الطاهر الذي نسأل له العلي القدير أن يسكنه فسيح جناته، وان يكرم نزله وأهله، ويبقي على سيرته بهذا العطر الذي يعرف عنه.
] اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن اللطف فيه.
] ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

صحيفة الانتباهة