هيثم الفضل يكتب: سفينة بَوْح – ترف إعلامي ..!
ضعف وغياب الإجتهاد في البحث عن القضايا التي تمِس هموم الناس ، وإنقطاع حبل التواصل (الحميم) بين القنوات الفضائية والإذاعات السودانية بما فيها الرسمية ، هو ما يُفسِّر خروج برامجهم ومواضيعهم المطروحة عن دائرة إهتمامات الشارع وحقيقة ما يحدث فعلياً في الواقع السوداني على شتى إتجاهاته ، لذا كان ما الطبيعي أن أغلبية من يشاهدون ويتتَّبعون برامج مؤسساتنا الإعلامية وأخبارها من فئة المغتربين ، ويدفعهم إلى ذلك مُجرَّد الحنين العاطفي وحِمية الإنتماء إلى هذا الوطن الذي طالما تعمَّق إنسانهُ في حبهِ والزودِ عن كرامته ، أما أصحاب (الوجعة) الحقيقية من المُقيمين فيه ، باتوا يُدركون أن مؤسساتنا الإعلامية أصبحت ولغياب آلة الصدق والإبداع والإبتكار ( خارج تغطية شبكة ما يحتاجهُ المواطن أوالمُشاهد ) ، هذا فضلاً عن (هزالة) خبرة العاملين فيها وتفهُّمهُم لم يجب أن تكون عليه المؤسسة الإعلامية في عهد ٍ يستشرف المنهج الديموقراطي وحُرية التعبير والقُدرة على (إصطياد) ما يهم الشارع والرأي العام ، بما توفَّر من إمكانيات ودواعم أهمها حماية القانون لكلمة الحق وإتساع رقعة الحُرية والقُدرة عبر العمل الإعلامي المهني والإحترافي على تلافي ومواجهة صلف النافذين وتسلُّط المسئولين.
أقولُ ما سبق بعد مشاهدتي لبرنامج في سودانية 24 يستضيف (مُتخصِّصاً) لمناقشة ظاهرة التسوُّل (ما بين الحوجة والإمتهان) ، فلو كنتُ مسئولاً عن الإعداد في القناة أو مُختصاً بإختيار مواضيع برامجها ، لما أقحمتُ مثل هذا الموضوع في هذا التوقيت بالذات ، والذي هو بشهادة الجميع (عصر الفقر والفاقة) لأغلبية الشرفاء من السودانيين ، فظاهرة التسوُّل في رأيي الشخصي يجب أن تُناقش في أوضاع معيشية وإقتصادية (طبيعية) حتى يمكن تصنيفها من حيث المبدأ على أنها (ظاهرة) أم (مهنة إجبارية) فرضتها الظروف العامة وقلة الحيلة لدى بعض الشرائح الإجتماعية التي تجاوزها حد الكفاف في الحصول على رزق اليوم وأبسط الإحتياجات الضرورية ، يا مُعِّدي البرامج في قنواتنا الفضائية المُغرِّدة خارج سمفونية (الهم العام) ، إعتبار التسوُّل (ظاهرة) في بلادٍِ يُعتبر فقيراً فيها من وصل في درجته الوظيفية إلى رُتبة مدير مؤسسة بحسب المقاييس الدولية ، هو نوعٌ من تجاهُل الواقع ونُكرانهُ ، بإسم (الترف الإعلامي) في بلاد العوز والفاقة وقلة الحيلة.
صحيفة التحرير