مقالات متنوعة

اسماء جمعة تكتب الانتقالية وأخطاء المخلوع الاقتصادية


حين بدأ الدولار في الارتفاع بسرعة رهيبة مقابل العملة الوطنية عام 2017 ، اجتمعت حكومة النظام المخلوع مع كل كوادرها الذين تسميهم خبراء اقتصاد وناقشت ما أسمته بالانفلات في سعر الصرف، وخرجت بقرارات منها مواجهة تجار العملة بحسم وتوجيه تهم تخريب الاقتصاد الوطني وغسل الأموال وتمويل الإرهاب في مواجهة المتعاملين بالنقد الأجنبي، وسماسرة العملة بمختلف مستوياتهم، وأجازت عدداً من السياسات على المدى القصير والمتوسط والطويل، تمثلت في وقف شراء الشركات الحكومية للنقد الأجنبي وتنظيمه عبر البنك المركزي مستقبلاً ومعالجة أمر التضخم، وركزت فقط على محاربة تجار العملة ونسيت كل الحلول التي أدت الى تجارة العملة والغلاء، واستمرت الأمور في التعقيد أكثر حتى انفجرت ثورة ديسمبر وحدث ما حدث حتى جاءت الحكومة الانتقالية.
توقع الجميع أن تأتي الحكومة الانتقالية بحلول مختلفة توقف انهيار العملة الوطنية وتحارب الغلاء، ولكن خابت التوقعات وزاد الإحباط بتبنيها نفس حلول النظام المخلوع، فقد أعلنت في سبتمبر الماضي عن تفعيل حالة الطوارئ الاقتصادية وتشكيل قوات مشتركة ومحاكم ونيابات الطوارئ وسن قوانين رادعة لمواجهة ما اعتبرتها حرباً سياسية ملعبها الاقتصاد تشنها عناصر محسوبة على النظام السابق، ولم تقم بتلك الإجراءات وظل الدولار يعلو أكثر وأكثر ماداً لها لسانه وهو الآن يقترب من ال300 جنيه، ويزداد عدد المضاربين في سوق العملة الأجنية والغلاء ليقع العبء على المواطنين الذين أصبحوا يتخوفون من كل ساعة قادمة.
المفارقة المحيرة هي أن ترى الحكومة الانتقالية الحل تماماً كما رأته حكومة النظام المخلوع وتتخذ نفس الإجراءات، فالشعب لم يثُر ويدفع الثمن من أجل أن يأتي بنسخة جديدة من حكومة قديمة، ولذلك نوجه لها نفس النصائح والدرس وليتها تعمل بها، فالمضاربة في العملة هي سبب واحد من أسباب انهيار العملة الوطنية ويمكن السيطرة عليها من خلال سياسات البنك المركزي النقدية، مثل تغيير العملة الذي ينادي به جميع المواطنين المتعلم والجاهل، وهناك مشكلة عدم الإنتاج التي أدت الى أن يتكدس الشعب كله في مهن محددة هي المضاربة في العملات والسمسرة والاحتكار، وقد أصبح يمارسهما العاطلون كمهنة رسمية والعاملون لزيادة دخولهم، وهذا بدوره أدى إلى الغلاء الطاحن والحل يكمن في الرقابة على السلع ومحاربة الاحتكار والسمسرة والمضاربة، هذا بالإضافة الى الحل الأكثر أهمية وهو تحريك عجلة الإنتاج بالتشجيع على الاستثمار من خلال سياسات مختلفة تدفع الناس الى العمل في مجالات الإنتاج والخدمات المختلفة، ولكن لا أدري لماذا لا تريد الحكومة الإقدام على هذه الخطوات المهمة جداً. النظام المخلوع كان هدفه واضح فهو يريد أن يخلد نفسه في السلطة من خلال الفوضى وإرهاق المواطن، ولكن ما بال حكومة الثورة والمسمى انتقالية تمارس نفس السياسات والضغوط وأمامها الحلول؟.

صحيفة السوداني