مقالات متنوعة

أمنة حيدر وسؤال الدين


آثار فيديو للمغنية السودانية امنة حيدر وهي تترنم بآيات بينات من الذكر الحكيم موجة سخط عارمة في الشارع السوداني الذي اعتبر ذلك غناءا وليس تلاوة ولا ترتيل، مستهجنا هذا التعدي السافر على قدسية النص القرآني، هذا المشهد أعاد إلى الأذهان السؤال الكبير الذي تتحاشاه الكثير من التنظيمات السياسية وهو سؤال الدين ومكانه من الحياة والسياسة في السودان، تتحاشى الأحزاب هذا السؤال لأنها تستعد لدخول انتخابات عامة بنهاية الفترة الانتقالية وتعلم ان الجماهير لن تتسامح مع اي حزب سياسي يستفز عقائدها او يعلن عن نيته تجريدها منه.

سؤال الدين سيطر على الساحة السياسية السودانية منذ نهايات حكم النميري، وهي الفترة التي اعدم فيها أستاذ المغنية أمنه الأستاذ محمود محمد طه، وتكاثف بعد سيطرة حزب الجبهة الاسلامية القومية على الحكم في السودان بواسطة انقلاب الانقاذ، وتاريخيا لم يغب هذا السؤال عن السودانيين الذين قادوا في القرن التاسع عشر ثورة دينية تحررية بقيادة الإمام محمد احمد المهدي على الاستعمار، وفي حين نجح الإمام المهدي في تجييش الشعب لانتزاع حريته عبر عاطفة دينية صادقة، فشل النميري وفشلت الإنقاذ في ذلك لأنها استخدمت الدين وسيلة للعلو في الأرض وقهر الشعب.

الدكتور الترابي زعيم الانقلاب الانقاذي حاول مجاراة اللوحة المهدوية بقيادة حرب دينية الأهداف، ولكنه اختار لها العدو أبناء الجنوب، ظانا ان ذلك سيجمع السودانيين في الشمال تحت رايته وبالتالي تدين له السيطرة السياسية الكاملة على كل المناوئين السياسيين بقوة الدعم الشعبي، ولكنه نسى عوامل مهمة فالسودان لم يكن مستعمرا كما كان في عهد المهدية، والدولة القطرية الحديثة وعصبة الامم التي تكونت في بدايات القرن العشرين ليست هي الدول ولا النظام العالمي في القرن التاسع عشر، لذلك فشلت الإنقاذ لدرجة انها في نهاية الأمر وقعت اتفاقا للسلام مع أبناء الجنوب (الكافرين في نظرها) ورفعتهم مكانا عليا.

مشروعي النميري والترابي الدينيين واجها رفضا صلبا من أكبر طائفتين مسلمتين في السودان وهما الأنصار والختمية، وهو الشيء الذي فضح النموذج الإسلامي الراديكالي للنظامين في عيون قطاع واسع من جماهير الشعب السوداني، ومثل ضربة لاذعة لأي تمدد ديني لهذه الحكومات الدكتاتورية، وليس متوقع في الوقت الراهن أن تناصر هاتين الطائفيين أي شذوذ يمين او يسار وسطية الاجابة السودانية على سؤال الدين، إجابة الفطرة والسماحة السودانية.

كاستنتاج من أدلة التاريخ والواقع ليس متوقع ان يتمدد مشروع هذه المغنية المستفز لوسطية أهل السودان، ولا يتوقع أن يتمدد مشروع نافي لوجود الدين في حياة السودانيين كما يدعو إلى ذلك العلمانيون الجدد، وإن صعد في الفترة الانتقالية هذا التيار العلماني فإنه سيسقط في اول انتخابات عامة، كما ليس من المتوقع ان يتمدد مشروع إعادة إنتاج غلو وشطط نميري، ولا مشروع إعادة إنتاج مشروع الترابي وحركة الاخوان، فالدين سيظل حاضرا في حياة السودانيين بذات الوسطية المعروف بها في السودان، ولن يكون عامل قهر ولا وسيلة استفزاز وإنما سيكون وسيلة محبة وسلام وتعايش.

يوسف السندي – صحيفة التحرير