مزمل ابو القاسم

محفظة السراب والتراب


قبل أن نتطرق إلى ما نسبته محفظة السلع الاستراتيجية إلى نفسها من إنجازاتٍ تتصل بتسهيل استيراد السلع الاستراتيجية للمواطنين، لابد أن نسأل عن مسوغات احتفاظ رئيس لجنتها التنفيذية؛ عبد اللطيف عثمان محمد صالح بمنصبه، بعد أن نًقل (مُترقّياً) ليعمل مفوضاً عاماً للجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي.
* صدر القرار مُذيّلاً بتوقيع رئيس الوزراء يوم 13 ديسمبر الماضي، أي قبل أكثر من شهر، ومع ذلك بقي عبد اللطيف رئيساً للجنة التنفيذية للمحفظة، فما سبب تلك الازدواجية؟
* هل خلت الدولة من الكفاءات كي يُسند المنصبان المستندان إلى (جبالٍ من المال) إلى شخصٍ واحد؟
* نعود إلى البيان الذي أصدره السيد عبد اللطيف، ونذكر أن محصلته تؤكد صحة ما ذكرناه في هذه المساحة عن هيمنة المحفظة على سوق السلع الاستراتيجية، باحتكار يزدري قانون الشراء والتعاقد للعام 2010.
* احتكار غير مسبوق، يدل على أن الحكومة تشجع ضمنياً على الفساد، بانتهاكها لمبادئ الشفافية والتنافس الحر، وبتغاضيها عن تضارب المصالح الذي سيطر على عمل محفظةٍ تضع السياسات المنظمة للاستيراد والتصدير، وتستورد وتصدِّر في الوقت نفسه.
* احتكرت المحفظة غالب عوائد صادرات البلاد من الذهب، وأصبحت الآمر الناهي في تحديد هوية مستوردي البنزين والجازولين وغاز الطبخ وحتى الأدوية، وفرضت على الشركات المستوردة للوقود أن تدفع لها قيمة الشحنات بزائد عشرة في المائة مقدماً وبالعملة الوطنية، بإجراءٍ رفضه واستنكرته وكيلة وزارة المالية في أكتوبر الماضي، لجهة مخالفته للقانون، قبل أن تسمح الدكتورة هبة للمحفظة باحتكار استيراد السلع الاستراتيجية.
* تباهى أمين عام المحفظة (رهين المحبسين وفارس المنصبين) بأنهم أشرفوا على إصدار (23) خطاب اعتماد بالنقد الأجنبي لثلاث وعشرين شحنة من المحروقات، كما فتحوا الاعتمادات الخاصة باستيراد (2500) صنفٍ، تغطي (70%) من حاجة البلاد للأدوية.
* فصّل السيد عبد اللطيف شحنات الوقود، ولم يذكر لنا ما إذا كانت حمولة الباخرة (إكسبلورر) من بينها أم لا، لجهة أن شراءها تم بواسطة المحفظة مباشرةً، ومن دون جدولة أو إعلان، ومن دون عطاءات، بفساد يستوجب المحاسبة.
* لم يوضح الأمين العام السبب الذي جعلهم يرفضون تنفيذ أربعة عطاءات للوقود، تمت بأمر وزارة الطاقة وبإشرافها، ولم يفسر مسببات رفض سعرٍ أقل، قدمته إحدى الشركات الوطنية في العطاء الثاني، قبل أن يوكلوا أمر الاستيراد إلى شركةٍ بعينها، تنال حظوةً غريبة من المحفظة.
* كذلك لم يتكرم أمين عام المحفظة بتوضيح كميات الذهب التي تم تصديرها عبرهم، وكيفية التعامل مع عوائدها، مع أننا توقعنا منه الرد على الاتهامات التي تحدثت عن مبادرة بعض تجار الذهب بتصدير سلعتهم عبر المحفظة، واستلام عوائدها في الخارج.
* كذلك لم يوضح لنا السيد عبد اللطيف مسببات تعطيل القرار الصادر من د. حمدوك، والقاضي بالسماح للقطاع الخاص باستيراد الوقود لقطاعات النقل والتعدين والصناعة من عوائد الصادر.. لماذا ألقي في سلة المهملات؟
* بلغت القيمة الإجمالية لتعاملات المحفظة (602) ملايين دولار بحسب البيان، وتم إنفاق غالب المبالغ المذكورة على استيراد الوقود، ومع ذلك بقيت صفوفه على حالها، واستمرت النُدرة، وتواصلت شكاوى المواطنين وحتى شركات توليد الكهرباء من غيابه، مع أن الدولة ضاعفت أسعاره خمس مرات.
* لم نر في محصلة عمل المحفظة ما يستحق التباهي، والواقع يؤكد أنها سجلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله، ويتمثل في توفير السلع الاستراتيجية من وقود ودقيقٍ ودواء للمواطنين، وواقع الحال يدل على أن الأوضاع أصبحت أسوأ بعد إنشاء المحفظة التي تضم شركاتٍ خاصةً وبنوكاً تجارية، فصَّل الأمين العام بعضها في بيان الفشخرة الفارغة.
* ختاماً نسأله: كم بلغت أرباح المحفظة، وكيف تم توزيعها؟ وما نصيب الدولة منها، أم أنها ذهبت بكاملها إلى خزائن الشركات الخاصة، والبنوك التجارية المشاركة في محفظة (احتكار) السلع الاستراتيجية، ليحصد المواطن الغلبان السراب.. والتراب!

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي