مزالق الفترة الانتقالية الخمسة
الحكومة المؤقتة interim government هي حكومة ذات تفويض استثنائي لإدارة الشؤون الحكومية لفترة غير عادية تستمر حتى انتخاب حكومة جديدة لفترة عادية وبولاية عادية. [1]
جرّب السودان في مسيرته المضنية نحو الحرية اربع حكومات انتقالية تجللت كلها بفشل مرير لأسباب تكاد تكون متشابهة في عبثية تأريخية مؤلمة، و يبدو أنه ربما يمضي السودان حثيثا في تجربته الخامسة علي ذات الدرب الذي لن يُفضي إلا إلي نفس الهاوية اذا لم يحرّص الحادبون علي تجنيبه المزالِق التي تتردي بها البلاد في كل مرة في هذه الهوّة .
أسباب الفشل المتكرر كثيرة و لكن هنالك خمسة مزالق كبري لا يمكن العبور بالبلاد الي بر الأمان بدون التعامل معها و معالجتها :
(1) إهمال الملف الاقتصادي
كان الاقتصاد هو كعب أخيل الحكومات الانتقالية المتعاقبة ، ولا تختلف الحكومة الحالية عن
سابقاتها في رهانها علي الزخم الثوري لتفادي استحقاقات أسئلة الملف الإقتصادي الصعبة والإنصراف إلي الملفات الأسهل و الأكثر شاعرية و بريقاً كقضايا التطهير و ملفات التغيير الاجتماعي و الثقافي.
(2) الاستقطاب الايدولوجي
الصراع التاريخي بين احزاب وقوي أقصي اليمين وأقصي اليسار التي تحمل رؤية جذرية أحادية لتغيير الإنسان و المجتمع و تفسير التاريخ تفسيراً شمولياً يتوافق مع ( دليلها للحياة ) أذكي الفتنة و الإنقسام الديني و المجتمعي و ضيّع الجهود في مسائل تقديرية لا يمكن إخضاعها للتجريب و القياس ولا تجاوب علي أسئلة التنمية و تحسين المحتوي النوعي للحياة.
(3) التثاقل عن بسط الأمن
الحرية هي المطلب الأعلي لأي ثورة ، و النظرة الأولي للعلاقة بين الصرامة الأمنية و العدلية وبين الحرية ربما توحي بأن العلاقة عكسية و لكن إعمال الفكر في جوهر العلاقة يكشف أن المساحة المتاحة لحرية الفرد و الجماعات تتناسب تناسباً طردياً مع توفر البيئة الآمنة للتمتع بهذه الحرية وأي مهدد أمني يُقلص هذه المساحة وإنتشار الجريمة والإرهاب الجسدي و الفكري يُفقد الناس الثقة في حكومتهم الانتقالية و في مولودها الشرعي ( الحكومة المدنية المنتخبة ) و يتردي بهم في مجاهل الاضطرار الي القبول بالحكم العسكري و الشمولي
(4) غياب الشفافية
لا بديل عن مصراحة الجماهير بالمصاعب التي تكتنف الإنتقال مهما كانت فداحتها ، المضي نحو المجهول يغذي المخاوف و في غياب المعلومة الصحيحة تزدهر الاشاعات و الأراجيف و تذهب الهواجس و التوجسات بالناس كل مذهب.
(5) التعامل مع فترة الإنتقال كغنيمة
السعي للوصول الي السلطة عبر الوسائل الديمقراطية و تطبيق البرنامج السياسي هدف مشروع لكل حزب بل هو من صميم غايات انشاء الأحزاب السياسية ، و لكن بعض الأحزاب السياسية غير الجماهيرية في السودان وفي بعض انحاء العالم درجت علي التوسل الي السلطة عبر منافذ الفترات الانتقالية و لأنها تعلم بتدني حظوظها في المرور الي دست الحكم عبر الصناديق الإنتخابية فإنها تعمد الي اطالة الفترات الانتقالية و التذرع الي ذلك بالحاجة الي تهيئة السودانيين للعملية الديمقراطية و هي بذلك تفرض نفسها وصياً علي الشعب ووعيه و اختياراته و ذلك بدلاً عن الانصراف الي البناء الحزبي و الي الانفتاح الجماهيري و الشعبي .
والآن ما العمل ؟
لا بديل عن دعم عملية الانتقال و الحرص علي تجنيبها المزالق التي يمكن أن تودي بها ، لأن البديل هو الارتكاس و الردة في براثن الدولة الشمولية أو الدولة الكهنوتية و أوجب واجبات هذه اللحظة التاريخية الفارقة هو تقديم قيادات واعية بهذه المزالق و تمتلك الارادة و الشجاعة و القوة و التصميم للعبور بالبلاد الي بر الأمان.
[1] IFIT PRACTICE BRIEF | INTERIM GOVERNMENTS: LESSONS AND GUIDELINES – November2020
د. محمد حسن فرج الله