بروفيسور/ زين العابدين يكتب: رئيس الوزراء و صراع مراكز القوي
بقلم البروفيسور/ زين العابدين صالح عبد الرحمن
السؤال الذي وجهته لعدد من قيادات العمل السياسي، و لم أجد عليه الإجابة المقنعة، من هي الجهة التي رشحت عبد الله حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء؟ تهربت الأغلبية عن الإجابة، ماعدا أحد القيادات في الحزب الشيوعي إجابني بأن ترشيح حمدوك تم من قبل تجمع القوى المدنية، و كان الهدف من السؤال معرفة اسرار كثيرة تجري دون معرفة مصادرها، و بعد ما بدأت تخرج تصريحات بعض القيادات السياسية في ” قحت” بفشل الحكومة في إنجاز مهام الفترة الانتقالية، و التي يحاولون تحميلها فقط للوزراء دون رئيس الوزراء، و يتحدثون عن تعديل وزاري دون الإشارة في إمكانية أن يشمل التعديل رئيس الوزراء. و أصدر المجلس المركزي لتحالف ” قحت” بيانا في نوفمبر أنهم يؤكدون علي استمرارية رئيس الوزراء، و جاء البيان بعد ما تعالت أصوات الذين يطالبون بإقالة رئيس الوزراء.
و تبقي الأسئلة هي: لماذا ترفض قيادات ” قحت” إقالة رئيس الوزراء؟ هل بالفعل هي مقتنعة بأنه الشخص الذي يستطيع انجاز أهداف الفترة الانتقالية دون غيره؟ أم المسألة تمليها توازنات داخل قوى الفترة الانتقالية؟
يقول ياسر عرمان في حوار أجرته معه جريدة السوداني قبل يومين تحدث عن وجوب بقاء رئيس الوزراء حيث قال “لن تستطيع. دعنا نكون واضحين، لن تستطيع الحرية والتغيير أن تتفق على رئيس وزراء آخر. ولا تستطيع حتى أن تتفق على الوزارة، دعك من رئيس وزراء. ولذلك أنا أعتقد أن رئيس الوزراء يجب أن يبقى وأقولها بوضوح، ورئيس مجلس السيادة يجب أن يكون موجودا. ويتم اصلاح الوضع بشكل شامل. لكن الأهم من ذلك أن تتم تسوية سياسية بين المدنيين والعسكريين، فهذا البلاد تغيب فيها التسوية السياسية، واتفاقية السلام كان من المؤمل أن تُحدث تسوية سياسية”. انتهى حديث ياسر؛ و بالفعل أن القوي السياسية داخل ” قحت” تتخوف إذا تمت إقالة عبد الله حمدوك بأنها سوف تدخل في صراع مع القادمون الجدد ” الجبهة الثورية” و هناك تحالف يربط بين العسكر و الجبهة الثورية و هو الذي منع ممثلي ” قحت” المشاركة في عملية مفاوضات السلام في جوبا. كما أن الخلافات داخل ” قحت” أصبحت خلافات عميقة أدت لخروج الحزب الشيوعي من التحالف و تجميد حزب الأمة نشاطه داخل مكوناتها، حيث أصبح التحالف ضعيفا، و لا يستطيع تحالف ” قحت” أن يفرض مرشحا ليكون رئيسا للوزراء في أي مفاوضات أخرى بسبب ضعفها في الساحة لذلك الأفضل لها بقاء حمدوك.
في الجانب الأخر: أن الجبهة الثورية و العسكر ليس لهم أي مصلحة في تغيير رئيس الوزراء، بل الرجل قد أظهر توافق معهم في كثير من القضايا، أولها لم يتمسك بنص مفوضية السلام في الوثيقة الدستورية، حيث بؤكد النص أن رئيس الوزراء تقع عليه مسؤولية أختيار تكوين مفوضية السلام التي كان من المفترض أن تدير مفاوضات السلام. و قبل تكوين المجلس الأعلي للسلام دون الدخول في مشادات مع العسكر. كما أن الرجل وافق علي مقابلة الفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نيتنياهو في كمبالا دون أن يخطر حتى مجلسه، و أيضا قبل أن يكون نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان رئاسة اللجنة الاقتصادية، و كل مبادرات العسكر لا يعترض عليها. و أيضا أن العسكر في مجلس السيادة متابعين كل الخطوات التي يقوم بها رئيس الوزراء خاصة في التعينات في الوظائف القيادية في الخدمة المدنية، و حتى نشاطات أعضاء مكتبه، و هذا ما أشار إليها الفريق أول محمد حمدان في حديثه في احتفال تخريج قوات ” درع السلام ” التابعة لقوات الدعم السريع قبل يومين حول أن هناك قوى سياسية تقول هي في المعارضة و قد تم تعين عضويتها في الوظائف القيادية من درجة وكيل وزارة و ما دون ذلك، فالجهة التى تصدر قرارات التعين هو رئيس الوزراء، رغم أن الرسالة مرسلة إلي حزب سياسي و معروف للجميع، لكنها أيضا إشارة لرئيس الوزراء. لذلك العسكر ليس لهم أي مانع في استمرار رئيس الوزراء مادام لا يعترض علي قرار و أي فاعلية للعسكر. و الجبهة الثورية ليس لها مصلحة في تغيير رئيس الوزراء مادام حلفائهم راضين عن الرجل.
لكن السؤال هل ” قحت” كتحالف هي التي رشحت عبد الله حمدوك لرئاسة الوزراء؟ أم أن هناك جهة أخرى جاءت بحمدوك لرئاسة الوزراء و هي التي رشحته من خلال كتلة تجمع المدنيين؟ حقيقة أن الجميع لا يريدون الإجابة لمثل هذه الأسئلة و البعض متورط في علاقات جانبية تعتبر مساومات بهدف أن يكون له نصيب مميز في أي محاصصة في هياكل السلطة.
قبل رحيل الإمام الصادق المهدي أكتشف أن المعادلة السياسية في الساحة بدأت تتغيير بعد “اتفاق جوبا” و أن هناك تحالف تشكل بين العسكر و الجبهة الثورية، و لابد أن يؤثر علي مجريات العمل السياسي، و بالفعل قد أضعف تحالف ” قحت” لذلك جاء قرار حزب الأمة بالمشاركة في جميع هياكل السلطة الانتقالية، و قال يجب أن يكون نصيبه في المحاصصة مساويا لحجم الحزب في الساحة، و بني ذلك الحجم علي ضوء انتخابات 1986م، لكن الإمام تأكد أنه سوف يفرض ذلك علي “قحت” و هي لا تملك غير الموافقة، جاء قرار الحزب بعد قراءة لحالة الضعف التي تعتري قحت، فالإمام الصادق قد قرأ الساحة قراءة جيدة و عرف التغيير الذي حدث في توازن القوى، فالكل بالفعل لا يريد أن يخسر حزب الأمة حتى لا يميل لكفة دون الأخرى. و لعب علي حزب الأمة علي ذلك و أصدر مجلس تنسيق الحزب بيانا قال فيه ” و قد أكد الحزب مشاركته في كل مؤسسات الإنتقال و تحمل مسئوليته مع الشركاء السياسيين لضمان نجاح الفترة الانتقالية إلا أن البعض إقتصر الأمر علي تحقيق مكاسب ذاتية شللية حزبية غير مستحقة و بنهج محاصصة دون رؤية أو برنامج عمل و بتكتل حاول إقصاء البعض و تهميش الآخرين” هذا الرسالة موجهة إلي ” قحت” و خاصة المؤتمر السوداني و البعث جناح السنهوري و تجمع الاتحاديين الذين يسيطرون من خلال تكتلهم علي المجلس المركزي لتحالف ” قحت” فهمت الرسالة و وافقت ” قحت” علي طلبات حزب الأمة.
فالتوازنات السياسية و التحالفات هي التي تسيطر علي الساحة السياسية، فالكل رغم إنه يعتقد قد وصل إلي النصيب في كيكة المحاصصات، تأتي أشياء تؤرقهم من جديد، لذلك نجد مقال لاركو مناوي رئيس تحرير حركة تحرير السودان في صحيفة ” سودان تربيون” يحذر فيه من عودة النظام السابق جراء الضعف الذي يعتري قوى الحرية و التغيير، و نصح بخروج حوارات تدار مع مجموعات من الإسلاميين إلي العلن ضمن مصالحة وطنية شاملة. فالرسائل أصبحت أكثر من حمولة البريد نفسه، مما يؤكد أن كل قوى تتخوف من الآخرى، و لا ترغب أن تكون هناك متغيرات تخل البعض القائم، باعتبار أي توازنات جديدة تقلل فرص البعض في المحاصصة، أو تبعد القوى التي تفتقد لحاضنة اجتماعية منها، فالشعارات العديدة التي كانت تملأ الأفق بدأت تنزوي، و أصبح العقل وحده هو المدرك لطبيعة الصراعات الدائرة في الساحة بوعي ، و هذه جاءت نتيجة لفشل الذين كان عليهم مهمة إنجاز مهام الفترة الانتقالية. فالساحة السياسية سوف تظل في حالة تغير مستمر بسبب حالة السيولة فيها، و أن التغييرات سوف تفتح باب المشاركة أكثر إذا لم يكن اليوم غدا. الديمقراطية تستطيع أن تواجه التحديات و تصمد في وجهها عندما تكون قاعدتها الاجتماعية هي الأكثر اتساعا، و عندما يصبح الفكر و الحكمة هي الأدوات التي تصنع المستقبل. و الشعارات هي حالة استثنائية لملأ الفراغات المؤقته. نسأل الله حسن البصيرة
صحيفة الانتباهة