اسماء جمعة تكتب النيابة ولغز اختفاء البروفيسور
في عهد النظام المخلوع؛ وصلت معايير العدالة في مؤسسات وأجهزة الدولة لأدنى مستوى لها، بل كادت أن تنعدم، وليس أدل على ذلك أكثر من القضايا التي تنتهي بالظلم الرسمي، مع سبق الإصرار والترصد، وليس هناك قضية يمكن أن نختارها كنموذج أفضل من قضية اختفاء البروفيسور عمر هارون، أستاذ علم النفس، هذه القضية التي تجاوز عمرها الآن ثماني سنوات.
وللذين لا يعرفون قصة اختفاء البروفيسور عمر هارون أو نسوها، فهو أستاذ علم نفس في جامعة الخرطوم، كان من المهتمين بالموهبين، وأسس أول جمعية لهم في ثمانينيات القرن الماضي، وهو صاحب فكرة مدارس الموهوبين، التي كانت حلمه، وسرقها منه النظام المخلوع مثلما سرق أحلام الكثيرين، وقد نفذها في عدة دول ونجحت فعاد ليطبقها في بلده، ولكن حدث ما حدث، اختفى عمر في شهر سبتمبر 2012 بطريقة غريبة جداً، فحسب البلاغ؛ خرج لممارسة رياضة الجري التي يؤديها يومياً في كبري شمبات ولم يعد، ولم تظهر الحقيقة حتى الآن، كأنه (فص ملح وذاب) كما يقال، ومازال شقيقه يصل الليل بالنهار بحثاً عن رأس خيط يقوده إلى الحقيقة، ويستهلك الأمر كل طاقته ووقته، وللعلم هذا حال الكثيرين من الأسر السودانية التي لديها مختفون.
في شهر يناير 2018؛ اختفى ملف القضية، وقالت الشرطة إنها تبذلُ جهوداً كبيرة لفتح ملف جديد، وأن هنالك صعوبات تواجهها في تتبع المحطة التي يوجد بها الملف، وسعى شقيقه في ذلك الوقت إلى تحريك البرلمان ووزارة الداخلية من أجل تنشيط الملف من جديد، وقد تم عمل ملف جديد بالفعل، ورغم ذلك لم تتحرك الشرطة بشكل جيد إلى أن سقط النظام المخلوع، وتفاءل الناس خيراً، ولكن لا جديد، وبدأ شقيق البروفيسور رحلة جديدة كلياً لحمل النيابة على التحرك، والتقى النائب العام الحالي؛ الذي كوّن لجنة أولى لمتابعة الملف، لم تتمكن من فعل شيء، واستقالت بعد أشهر فكوّن لجنة ثانية، وهي أيضاً الآن تواجه صعوبات لها علاقة بعمل النيابة.
الغريب في الأمر هو أن ملف القضية اختفى مرة أخرى قبل أسابيع، والآن ظهر، وهنا يأتي السؤال المهم، كيف اختفى وظهر ولماذا؟ وحقيقة يجب أن تجاوب النيابة على هذا السؤال بعد أن تجري تحقيقاً في الأمر، فمكاتب النيابة ليست محلات في السوق، ولا الملفات بضائع يمكن أن تفقد أو تختفي وتظهر نتيجة الحركة المستمرة.
أعتقد أن قضية البروفيسور عمر هارون؛ تستحق اهتماماً أكبر من النيابة، فالرجل ليس شخصاً عادياً، وهناك أسباب وجيهة تجعل أصابع الاتهام تشير إلى أشخاص محددين، خاصة وأنه كان مُصِرّاً على وقف استمرار مدارس الموهوبين، التي نفذّها النظام المخلوع بطريقة غير سليمة، واستغلاها لتحقيق أغراضه، وبما أننا اليوم نعيش في عهد جديد بفضل ثورة ديسمبر؛ يجب أن تتحرك النيابة لحل لغز هذه القضية والقضايا التي تشبهها، وكلنا يعلم أنها إذا أرادت حل لغز أية قضية مهما كانت معقدة لفعلت، ولابد من العدالة وإن طال الانتظار.
صحيفة السوداني