عبد الحفيظ مريود يكتب.. فما بعدَ العشيّة من….
ليس هناك من شكّ في أنَّ الأوضاع “انبشكتْ”، باللغة العاميّة على كافة الأصعدة. حتّى أنَّ الحزبَ الشّيوعىّ السُّودانيّ أعلنَ نيّته إسقاط الحكومة الانتقاليّة هذه، بشقّيها المدنيّ والعسكريّ. والحزب الشّيوعيّ السّودانيّ حين يقولُ يفعل لا يتردّد أبداً. والنّقطة الجوهريّة في موضوع الانبشاك الذي رفعَ ضغط دم الحزب، هو الموازنة المجازة من قبل المجلسيْن: السّياديّ والوزراء. فقد لاحظ الحزبُ أنَّ الموازنة لم تختلفْ كثيراً عن موازنات الإنقاذ، تلك التى تُعلى من قيمة الأمن والدّفاع، ليستأثر الأمن والدّفاع بنصيب الأسد وقد فعلتِ الموازنةُ الشيئَ ذاته، مع الأمن والدّفاع، بل أكثرَ من ذلك، رفعتْ أنصبة الجيش، جهاز المخابرات، والدّعم السّريع، ضاربةً عرضَ الحائط بالصّحة والتعليم، لتقبع في ذيل القائمة كما كانت تفعلُ الإنقاذ.
لكنَّ الموازنة أتتْ تتويجاً لملاحظاتٍ كان قدْ قدّمها الشيوعيّ في سياسات وزير المالية السّابق، د. إبراهيم البدويّ، خبير البنك الدّولي. وزبدة القول إنَّ الحكومة تسير بخطىً واسعةً في تنفيذ السياسات الرّامية لإخراط السُّودان في المنظومة العالمية الخاضعة للبنك الدّوليّ، المنتهج نهجاً رأسمالياً قُحّاً، لا يُعيرُ عوام النّاس، الطّبقة العاملة والمسحوقة اعتباراً. يمضي كالبلدوزر، يكسحُ كلّ شيئ أمامه بلا عواطف. وذاك شيئ يتناقض ورؤية الحزب الشّيوعيّ القائمة على إعادة توزيع الثروات وفقاً للنّظرية الاشتراكيّة. قبلها تململ الحزبُ من اتّفاقية جوبا للسّلام، وانساق يوقّع مذكرة تفاهم مع حركة عبد العزيز الحلو. وفي الوقتِ الذي وقّعتْ فيه أكثر من عشر حركاتٍ مسلّحة وغير مسلّحة على اتفاق جوبا، لم يجدِ الحزبُ إلّا المذكّرة التي وقّعها رئيسُ الوزراء د.عبد الله حمدوك مع الحلو، ليعليَ من شأنها ويحتفلَ بها، كأنّما توقيع الحركات مع الحكومة كان لعباً مملاً لا يساوي حبر الحزب.
الذي ينظر بعينين اثنتين، سيرى أنّ الحكومة الحاليّة لحمدوك هي حكومة جرى تشكيلُها خارج السّودان، رعتها جهاتٌ عليمة بشؤون الأفراد، وهي جهاتٌ لا شكّ ليستْ على وفاقٍ مع أطروحات الاشتراكية ومنظور الحزب الشّيوعيّ السّوداني. هناك أكثر من وزير، وزير دولة، مستشار، بل وحتّى حمدوك نفسه، ذوو علاقات سابقة بالحزب. البعض يمضي أكثر من ذلك، في أنَّ الكثير من الأسماء اللامعة في الحكومة الحالية ما تزال ملتزمةً بعضوية الحزب وبخطّه، فهل كان الحزب يجهلُ ذلك؟ هل اعترض على تسميّتها ومشاركتها في الحكومة؟ هل تبرّأ منها؟ أم أنّ الحزب من الذّكاء بمكانٍ بحيث يجعلنا نعتقد أنَّ مواقفه الدّاعمة لمصالح غمار النّاس، ملح الأرض ليستْ سوى ذرّ للرّماد في العيون، وهو يعلم أكثر من غيره أنَّ السّودان في ظلّ الحكومة الانتقالية الرّاهنة، أحدث قطيعةً بائنة بينه وبين السّودان القديم بالسير في طريق الرأسماليّة وتبنّي سياسات البنك الدّوليّ، وتحقيق مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة، وأنَّ عهد الشّعارات البرّاقة قد مضى، شعارات من أيّ نوع، وحلَّ محلّها الانبطاح الممتلئ غنجاً؟
الحزب الشّيوعيّ السّودانيّ سيسقط الحكومة الانتقاليّة، وسيأتي بحكومة اشتراكية تنظر في معاش النّاس وتطبّق الاشتراكية بحذافيرها، ضدَّ التطبيع مع إسرائيل، ضدّ الهيمنة الإمبرياليّة، ضدَّ الإسلام الأصوليّ، ضدّ البنك الدّوليّ، ضدَّ القصيدة ذاتها، كما قال درويش، لأنّها “غيّرتْ حزنَ النّبىّ ولم تغيّرْ حاجتي للأنبياء”.
سيتمتّع الحزبُ الشّيوعي السّوداني من شَّميمِ عَرَارِ نَّجْدٍ، فما بعدَ العشيّة من عَرار”، كما قال الشّاعرُ العربيّ. ليس بعد هذه الحكومة من أحاديث وشعاراتٍ فارغة جوفاء، لا يأكلُها النّاس ولا يشربونها. ستكتملُ الانبشاكةُ تماماً، وحين ذاك، سيعرف النّاسُ نفاق الحزب الشيوعيّ السّودانيّ وألسنته المتعدّدة.
صحيفة الصيحة