سراج الدين مصطفى يكتب: نقر الأصابع
أحمد الجابري:
صوته ينساب كما الماء على الأرض الغراء فيكسوها خضرة فتسر الناظرين، أو فلنقل هو واحة فنية غناء نرتاح عندها من حَر الفن الهابط الذي تسيّد الساحة الفنية في الآونة الأخيرة، وإن رحل عن دنيانا الفانية قبل خمس عشرة سنة فهو باقٍ فينا إلى الأبد بجميل أغنياته التي نعتبرها أقراصاً نتناولها كلما اشتدت حمى اشتياقه.. كان أحمد الجابري فناناً عبقرياً بمعنى ومبنى الكلمة، أضاف للموسيقى السودانية تراكيب لحنية جديدة ظهرت بشكل أوضح في أغنيته الجريف واللوبيا وهوج الرياح لمصطفى عبد الرحيم.
علي إبراهيم اللحو:
صاحب صوت جميل وأداء سمته التميز، نشأ في بيئة بدوية في موطن الجعليين تشبع بحب الدوبيت في مدينة شندي منذ نعومة أظافره، وهو مولع بالشعر وكان دائماً ما يستمع إلى أغنيات بها حنين البوادي، وهو من قرية مويس جنوب غرب شندي، حفظ القرآن بها، والشيء الذي شده للالتحاق بالقوات المسلحة أغنية عزة في هواك لخليل فرح وقبلها عمل في غسيل العربات وقالها اللحو بكل فخر بالإضافة إلى بيعه الشاي.. ذلك التواضع هو ما ارتقى بغنائية الراحل اللحو وجعلها من التجارب الكبيرة في وجدان الشعب السوداني تلك التجارب التي سكنت وجداننا.
العطبراوي:
قدّم من الأعمال الجميلة الراقية الهادفة ذات الأسلوب المميز، وقد اشتملت على أغنيات عاطفية وأخرى وطنية، من أشهرها على سبيل المثال- أنا سوداني أنا، يا غريب بلدك، يا وطني العزيز، كرمته الدولة وكرمه الشعب السوداني وكرمه أبناء مدينة عطبرة، فهو يستحق أن نتذكره في كل لحظة وحين، كان العطبراوي نموذجاً للفنان الذي كسر الأطر التقليدية للمغني ليس في القدرات الأدائية والصوتية فحسب، وإنما أتته النجومية إلى عطبرة وهو في مكانه، وأكد عبور صوت الفنان حتى ولو كان في الهامش.
أفراح عصام:
أفراح عصام يجب عليها أن تنزع معتقد أنها جميلة وكفى.. فهي تغني لشعب استمع من قبل لعائشة الفلاتية ومنى الخير وحنان النيل وغيرهن من الرموز الغنائية اللائي لم يعتمدن على الجمال والطلة الحلوة.. تلك الحقائق تستلزم الوقوف عندها بتأمل وتعمق، لأن القضية أبعد من الجمال الخارجي، وهو جمال نسبي سيزول في يوم من الأيام ولا يمكن التعويل عليه في البقاء في أذهان ووجدان الناس، وحالياً أفراح عصام تغني غناء لا يتناسب وصوتها المحدود الذي لا يتمتع بأي خيال أدائي وليست لها مقدرة الصعود والهبوط في النوتة الموسيقية وتجربتها ككل تحتاج لمراجعة لضخ الدم فيها.
إبراهيم عوض:
إبراهيم عوض الراحل الجميل.. لعله الفنان الأول الذي كان جريئاً في طرحه الغنائي.. فهو أول من واجه الحبيب وصرّح بخيانته في أغنية “يا خاين”.. حيث كان الغناء قبله يتسكع في أضابير الخوف وعدم القدرة على التصريح.. ذلك كان إبراهيم عوض الفنان الذي قدم عطاء جزيلاً ومتدفقاً وسيبقى مدى الأيام تاريخاً وسيماً ومضيئاً.. ومجمل ما قدمه من طرح غنائي كان ولا يزال ملهماً للأجيال الجديدة التي ما زالت غنائية إبراهيم عوض تأثر فيه ، ولعله بغير غنائيته الوسيمة كان فناناً محترماً.
شروق أبو الناس:
أعتقد أن الفنانة شروق أبو الناس لن تجد موطئ قدم في السودان، وذلك لسبب بسيط هو عدم قدرتها على التواصل مع الجمهور والمستمع السوداني.. فهي بتقديري ما زالت بعيدة جداً عن الملمح والشكل المأمول في الفنانة التي يمكنها التأثير على الشارع.. شروق ستعاني جداً لأنها بدأت تجربتها عن طريق التهويل الإعلامي و(الدفرة) من قبل بعض الشخصيات النافذة ولم تراهن على قدراتها.. وهذا هو المحك، ثم إن تجربتها تفتقر للملمح السوداني باعتبار أن نشأتها كانت خارج السودان، وذلك ما يصعب عليها التواصل مع القلب والوجدان السوداني.
صالح الضي:
صالح الضي.. اسم مضيء في تاريخ الغناء السوداني.. قدم أغنيات كانت في منتهى الجمال واحتشدت بالعاطفة الصادقة والتي كانت ملمحاً أساسياً في تجربته القصيرة، ولكنها كانت ذات تأثير بالغ على الشعب السوداني.. لذلك ظل صالح الضي فنان حاضر وكل أغنياته حاضرة تمشي بيننا في زهو وفخار.. ولكن صالح الضي رغم جمالية أغنياته ظلت سيرته غائبة أو مغيبة بمعنى أدق، وذلك التغييب بالطبع ليس مقصوداً وهو ما يمكن أن نقول عليه نوع من الإهمال من الأجهزة الإعلامية الرسمية التي تهمل التوثيق لمثل تجربة صالح الضي المفعمة بالجمال والمحتشدة بالصدق، هذا الرجل كان مبدعاً جداً ومختلفاً عن الآخرين في تفاصيل كثيرة.
حميد:
حميد ليس مثله ومثل (أي زول) كما يقول هو بتواضع الإنسان الكبير.. وهو الذي عاش في دهاليز الغربة التي أخذته ردحاً من الزمان هو ورفيق دربه مصطفى سيد أحمد.. ويبقى الاختلاف الوحيد أن مصطفى مات بعيداً هناك في دوحة قطر.. بينما رحل حميد على شوارع الأسفلت.. وربما كان محظوظاً أكثر من مصطفى سيد أحمد حينما اتيح له أن (يتلفح) (بكفن) من قطن هذا البلد.. وحميد قال ذات يوم لمصطفى سيد أحمد في رسالة (يوماتي تهاتي وطن وطن.. مع إنو أداك ميتة الغربة واستخسر فيك الكفن).
سراج الدين مصطفى – صحيفة الصيحة