مزمل ابو القاسم

جاري وهم جارين وراهو!


ستنطبق على حكاية تحرير أسعار الوقود مقولة المُعلّق الرياضي الراحل علي الحسن مالك رحمة الله عليه، عندما وصف هدفاً أحرزه مهاجم المريخ عيسى صباح الخير، وردّد عبارة: (عيسى جارى وهم جارين وراهو)، وكررّها حتى سارت مثلاً وسط الرياضيين.
* حالياً (أسعار الوقود جارية والحكومة جارية وراها)، فقد بدأ تسعير جالون البنزين بعد تحريره بمبلغ (540) جنيهاً، قبل أن تضطر الحكومة إلى رفعه إلى (571)، بينما بدأ جالون الجازولين تسخينته بأربعمائة وثمانين جنيهاً، ثم وصل (517).
* ها هي الحكومة تتهيأ لإعادة التسعير، ويتردد أن ثمن جالون البنزين سيطير إلى تسعمائة، بينما سيحلق الجازولين في حدود الثمانمائة وكسور، وسيتم تحريره بشكلٍ كامل، برفع الدعم المقدم لقطاعي المواصلات والزراعة نهائياً.
* نذكّر الناسين أننا توقعنا هذا الارتفاع المهول في أسعار النفط بمقالٍ دونّاه بعنوان (وقود المحرقة الجديدة) في هذه المساحة يوم 12 أكتوبر من العام الماضي، وكتبنا في مطلعه ما يلي: (من يظن أن سعر جالون الوقود سيبقى عند حدود (500) جنيهاً واهم، لأن تسعير النفط سيتحكم فيه عاملان، كلاهما خارج نطاق سيطرة الحكومة، وأولهما السعر العالمي للبترول، والثاني سعر صرف الدولار في مواجهة الجنيه.. بمجرد تطبيق قرار تحرير سعر الوقود، أو فلنقل رفع الدعم عنه سيتحرك سعر الدولار إلى الأعلى، وقد يتجاوز ثلاثمائة جنيهاً، بعد أن شرعنت الحكومة للشركات المستوردة شراء الدولار بسعر السوق الموازية ضمنياً (باحتسابها لسعر اللتر به)، وبالتالي سيتواصل ارتفاع سعر الوقود.. وبما أن أسعار كل السلع تتأثر سلباً بقيمة الترحيل، وبما أن قيمة الترحيل سترتفع أكثر كلما ارتفع سعر الوقود، فذلك يعني ببساطة أن معدل الغلاء سيزداد باضطراد، بل قد يرتفع عدة مرات في اليوم تبعاً لأي صعود لأسعار الدولار.. قد ينهي قرار رفع الدعم صفوف الوقود، لا لأنه سيتوافر لطالبيه في محطات الخدمة، بل لأن معظم الراغبين فيه سيعجزون عن شرائه، وسيدفعون ثمنه غالياً في المواصلات العامة، التي ستضاعف تعرفتها عدة مرات في اللحظة التي يسري فيها قرار تحرير الوقود، وسيتوالى الارتفاع تبعاً للارتفاع المتوقع في سعر الوقود.. من المتوقع أن يصل سعر جالون البنزين المُحرر حدود (500) جنيهاً، ويبلغ سعر جالون الجازولين (450)، والسبب فشل الحكومة في وقف انهيار العملة الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية).. انتهى المقال.
* خابت توقعاتنا بخصوص انتهاء الصفوف بعد التحرير، لأن الحكومة نكصت عن التحرير عملياً، بسماحها لمحفظة السلع الاستراتيجية باحتكار استيراد الوقود ومنعها للشركات من جلبه لقطاعات الصناعة والنقل والتعدين، لكن التوقعات المتعلقة بتصاعد الأسعار تبعاً لصعود الدولار في السوق الموازية صدقت تماماً.
* تستبين المفارقة الموجعة في أن الثمن الجديد لجالوني البنزين والجازولين سيقل عن الثمن السابق بحساب الدولار، مع أنه سيرتفع كثيراً بحساب الجنيه، والسبب تهاوي قيمة العملة الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية.
* عندما حررت الدولة (أسعار) الوقود – وليس السلعة- في أكتوبر الماضي بلغ سعر جالون البنزين (3.7) دولارات، ووصل سعر جالون الجازولين (3.3) دولارات بحساب الدولار (145) جنيهاً.
* بعد الزيادة الجديدة للوقود سينخفض سعر جالون البنزين إلى (2.4) دولارات، وسعر جالون الجازولين إلى (2.1)، والسبب ارتفاع سعر الدولار من (145) إلى حدود (380) جنيهاً في أقل من ثلاثة أشهر!
* خسرت الحكومة مادياً مع أنها نافست نفسها في رفع أسعار الوقود، والسبب عجزها عن كبح جماح الدولار، والأدهى من ذلك أنها خسرت دعم شعبها لها بسبب إصرارها على تنفيذ وصفة التحرير التي حولت (90‎%‎) من السودانيين إلى مستحقين للزكاة!
* انطبقت على حكومة الخراب مقولة (لا شرفاً حفظتي.. ولا مالاً جمعتي)، فاستحقت السخط.. والسقوط.

صحيفة اليوم التالي