خمسة وخميسة
جانا الخبر شايلو النسيم.. ان الحكومة بصدد دعم المواطن السوداني بخمسة دولارات شهرية.. وقد تناقلت الوسائط هذا الخبر المفرح.. والذي أثلج صدورنا جميعاً.. كيف لا.. والحكومة حتصرف لينا دولارات حية.. خضراء اللون زاهية.. تسر الناظرين.. زغردي يا انشراح.. وكل من قلل من شأن هذا الامر .. فهو شخص متشائم.. لا ينظر الى الجزء الملئ من الكوب.. ومن ثم ثانياً هو احنا حنعرف أحسن من الحكومة ؟
فرحت جداً.. ذلك ان مرتب دولاري سينتظرني أول كل شهر.. لا يهم عدد هذه الدولارات.. ولا انها زهيدة لا تغني ولا تسمن من جوع.. ما هو على حد قول عادل امام (الشعب لابد ان يكون فقيراً، الفقراء يدخلون الجنة).. المهم الا تمتد اليه يد الضرائب ولا ضريبة الدخل الشخصي.. وطبعاً نحن ندفع الزكاة أول بأول من مرتباتنا.. ليس فقط قبل ان يحول الحول.. او تبلغ النصاب.. وانما قبل ان تصلنا القروش ذاتها.. شفتوا كيف ؟.
فرحتي بالدولارات انستني الاندهاش الذي تملكني حين قراءة الخبر.. ترى لماذا يستخدم مسؤول حكومي رفيع المستوى عملة أجنبية حين يحكي عن الدعم.. ؟ هل تم الغاء الجنيه السوداني ؟ هل وصل مرحلة من التدني ان الحكومة (ذات نفسها) لا تعتمده في مخاطباتها للجماهير؟ ام ان الدولار صار هو العملة المعتمدة لغالب أهل البلد؟.. وقالوا احسن بدل نتعب نفسنا مع الدولار الليلة كم ؟ وبكرة يبقى كم ؟ ناخدها من قصيرها والدولة تعتمده في الخطاب الرسمي والبوستات وتوتير والهاشتاقات؟
كنت قبل فترة قد عزمت على كتابة مقال يحكي عن تمدد السوق الأسود.. واعتماده لدرجة ان وسائل الاعلام الرسمية تعلن عن اسعار العملات في السوق الموازي (اسم الدلع للسوق الأسود ).. هل سمعتم قبل اليوم ببلاد مثلنا ؟ يجد فيها اللصوص اريحية لدرجة ان يتم اعلان سلعتهم المنافسة والضارة بالسلعة الرسمية.. عيني عينك وفي وضح النهار ؟ دع التعجب وتابع معي مسؤول حكومي يحكي عن دعم رسمي بعملة اجنبية.. هذا لا يخرج من ثلاثة احتمالات.. ان هذه العملة متوفرة عند الحكومة أكثر من العملة الوطنية!.. او انها، أي هذه العملة الاجنبية، قد صارت هي العملة الوطنية والجنيه السوداني تم تشييعه الى مثواه الأخير !..او احتمال أخير.. ان الخطاب مقصود به ان يصل جهات خارجية.. .. اما الشعب حبيبي وشرياني.. فلا بواكي له.
دعونا نتكلم جد فقد ارهقتنا السخرية.. يا صاحب السعادة.. الدعم المباشر لم ولن يحل مشكلة.. وسيجد الفساد فرصة جديدة ليتمدد اكثر وأكثر.. خاصة ان المرة دي فيها دولارات….لو كانت الدولارات عندك بهذه الكثرة والكمية.. أدعم الخبز.. التعليم.. وجبة التلاميذ.. الكهرباء.. أعيدوا الدعم للوقود.. ادعم الدواء واعيدوا للمستشفيات خاصية العلاج المجاني.. وغير ذلك كثير من أوجه الدعم.. هذا ان كان هذا الاعلان صادقاً فعلاً وان هناك دراسة بشأنه.. اما كان لمجرد التخدير.. و(انساني وأنا انساك) .. فهذا التصريح خطأ كبير.. يوازي تصريح وزيرة المالية بخلو الخزنة.. فكلاهما لم يفعل شيئا غير انه ساهم في صعود الدولار في سلم السوق الموازي بسرعة الصاروخ.. لذلك يا سعادتك دعني أهمس في اذنك بعبارة قديمة في مسلسل مصري.. يقول البطل (حتى الغلط مفروض يتعمل صاح )..
ناهد قرناص – صحيفة الجريدة