الحكومة خلوها.. أربطوا الدولار
أليس غريباً أن تشهد العُملة الوطنية انهياراً مريعاً لقيمتها في مواجهة الدولار، ولا نشهد أي رد فعلٍ رسمي إزاء تلك المصيبة الكبيرة؟
* خلال ثلاثة أسابيع قفز سعر الدولار من (270) جنيهاً إلى أكثر من أربعمائة فدب الذعر في الأسواق، وتعطل البيع في بعضها، وتضاعفت الأسعار، وضجّ الناس بالشكوى، والحكومة لا حس ولا خبر.
* حالة تبلد غريبة وعجيبة سيطرت على ردة الفعل الرسمية إزاء الإذلال الكارثي الذي يتعرض له الجنيه السوداني هذه الأيام، إذ لم يفتح الله على أي مسئول حكومي بأي تصريح يفسر للناس أسباب وأسرار ذلك الانهيار الكبير، مثلما لم نشهد أي إجراءات أو قرارات تستهدف وقف مسلسل تدهور قيمة الجنيه في مواجهة العُملات الأجنبية!
* لا رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية، ولا رئيس الوزراء، ولا وزير المالية، ولا محافظ البنك المركزي ولا أي مسئول حكومي خرج إلى العلن ليوضح للناس حقيقة ما يحدث، فهل يعني ذلك الصمت المريب تسليم الحكومة بعجزها وفشلها في حفظ ما تبقى من ماء وجه الجنيه في مواجهة تجبر الدولار؟
* حتى الحاضنة السياسية للحكومة استعصمت بالصمت إزاء تلك الكارثة، ولم يصدر عنها أي تصريح حولها، وغالب الظن أنها مشغولة بتكوين الحكومة الجديدة، ولاهية عن انهيار الاقتصاد وتلاشي قيمة الجنيه ومنصرفة بكاملها لتوزيع كعكة السلطة.
* الأمر نفسه انطبق على الجهات الأمنية التي كفت عن ملاحقة جوكية العُملة في الأسواق، فعادوا (للطقطقة) للناس والتلويح بالعملة في أكبر شوارع العاصمة من دون أن يخشوا ملاحقةً أو محاسبة.
* تداعيات الانهيار الكبير لقيمة الجنيه ستنعكس وبالاً على البلاد، وسيدفع فاتورتها فقراء طحنهم الغلاء وأحال حياتهم إلى جحيم، وقد بدأت تلك التداعيات في الظهور فعلياً على هيئة انفلات أمني بثورة جياع انتظمت عدداً من مدن الولايات، ونجزم أن وصولها إلى الخرطوم مسألة وقت ليس إلا.
* قبل أيام طالبت الشركات المستوردة للوقود وزارة الطاقة ومحفظة السلع الاستراتيجية بإعادة تسعير السلعة بما يتناسب مع الارتفاع المهول الذي طرأ على أسعار الدولار، وتم الاتفاق على تحريك ثمن جالون البنزين إلى أكثر من (900) جنيه، وثمن جالون الجازولين إلى ما دون ذلك بقليل.
* خرجت التسعيرة الجديدة عن نطاق الخدمة قبل تنفيذها، لأن الدولار نسف حسبتها في بضعة أيام، وبالتالي نتوقع أن تتوقف كل الشركات عن طرح الوقود في الأيام المقبلة، كي لا تضطر إلى إشهار إفلاسها حال استمرارها في البيع بالتسعيرة الحالية، علماً أن السعر المقترح أصبح غير مجزٍ لها.
* حال شركاء الفترة الانتقالية مع مسلسل انهيار الجنيه يذكرنا قصة الأب الذي جلس مع أبنائه لتناول طعام العشاء وأزعجهم (تيس) دخل الغرفة وصار يتقافز فيها يمنةً ويسرى، فطلب الأب من ابنه (بلة الأشتر) أن يربط التيس (لا يكشح لينا العشاء).
* قام بلة من مكانه بلا روية فأطاح صينية العشاء بقدمه اليمنى، وركل الفانوس باليسرى فكسره، ورفس إناء الماء ودلقه، ثم عفص الأب في بطنه، فصاح الوالد متألماً (التيس خلوهو.. أربطوا بلة)!
* بالمثل نقول للمتنازعين على المناصب، المشغولين بتكوين الوزارة الجديدة على جثة الاقتصاد المنهار والمواطن المطحون، اللاهين عن تلاشي قيمة العملة الوطنية: (الحكومة خلوها.. أربطوا الدولار
مزمل ابو القاسم -.. صحيفة اليوم التالي