تحقيقات وتقارير

البشير ولاهاي .. تسوية أم عدالة؟


ظلت قضية الجنائية الدولية مثار جدل وسط الأوساط السياسية والقانونية على مدار الـ 10 سنوات الماضية، منذ صدور أمر أعتقال، وتوقيف للرئيس المعزول البشير وثلاثة من أعوانه عامي 2009 و2010، بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بدارفور .

لكن مؤخراً قُضي الأمر الذي فيه يستفتيان.. و(قطعت جهيزة قول كل خطيب)، وأكد عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي، أن هنالك توافقاً شبه تام داخل الحكومة الانتقالية على تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتنتظر اكتمال توقيع وزارة العدل على برتكول قضائي مع فريق المحكمة الجنائية الدولية الزائر للخرطوم، هذه الفترة تبين فيها صيغ وشكل مُحاكمتهم؛ ويحدد ما إذا كان ستتم محاكمتهم في مقر المحكمة بـ”لاهاي” أو محاكمتهم داخلياً عن طريق محكمة هجين.

بين الرفض والتأييد

أوجد إعلان حسم الحكومة تسليم المطلوبين جدلاً وانقسامات على منصات التواصل الاجتماعي بين مبارك ومستعجل التسليم وبين من يعلن الرفض ويبرر أن الخطوة تمثل انتقاصا من شأن العدالة والقضاء في السودان. واشار إسلامي بارز ــ فضل حجب اسمه لـ(الصيحة) أن تسليم مواطن سوداني ليحاكم في محكمة دولية ستكون نقطة سوداء في صفحة الحكومة الانتقالية بغض النظر عن الأشخاص المطلوبين وجرائمهم.. وأن الخطوة ستفقد المواطن الثقة في قضاة السودان، وأشار القيادي الإسلامي أن هنالك مؤشرات تدل على وجود ضغوط مورست على الانتقالية لتسليم المطلوبين بدلاً من محاكمتهم في السودان.. وقال: أعتقد أن هنالك شواهد على وجود ضغوط خارجية منها تمثلت في حضور وفد الجنائية للخرطوم.. وعقد مذكرات واتفاق بين وزارة العدل والجنائية وبالمقابل هناك تسريب أن الزيارة خاصة بكوشيب..

ثم تصريحات ياسر عرمان في الفترة السابق بتسليم البشير للجنائية.. وضرورة أن يطوي الإسلاميون صفحته. ودعوته لضرورة التسوية مع الإسلاميين.. وأن الحركة الإسلامية كانت موجودة قبل البشير.

ورجح القيادي أن “موافقة السودان على تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، جاءت ضمن صفقة التطبيع مع إسرائيل، وفي ذات الاتجاه سبق وأشارت صحيفة “رأي اليوم” اللندنية، أن الكاتب فوزي بن يونس بن حديد: يقول إن “الغريب في قضية الجنائية أن البرهان كان يرفض تسليم عمر البشير إلى لاهاي، لكن يبدو أن المواقف تغيرت عقب لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين في عنتبي، وأردف: لكل شيء مقابل كما يقال، فلا يأتي شيء بلا مقابل.. ولا بد أن تسوية تمت مقابل التطبيع من بينها تسليم المطلوبين.

فرص وتحديات المثول

كانت الحكومة الانتقالية وقوى الكفاح المسلح، اتفقتا في اتفاقية جوبا للسلام على مثول المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية أمام المحكمة، إلا أن الاتفاق لم يوضح مكان المثول.

إلا أن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا سبق وزارت السودان في فبراير 2020، وأجرت بنسودا لقاءات مكثفة مع المسؤولين السودانيين تركزت حول مدى التزام الحكومة الانتقالية بالتعاون مع الجنائية وتسليم المطلوبين لديها. ويرى محللون أن بنسودا كانت أكثر تفهماً لمواقف السودانيين من قضية المثول وتداعيات التسليم.. حتى إنها فتحت الباب لاحتمالات وتأويلات بشأن المحاكمة سواء في الداخل أو في لاهاي.

لكن مؤخراً ينتخب المحامي والحقوقي البريطاني البارز كريم أحمد خان مدعياً عاماً جديداً للمحكمة الجنائية الدولية خلفاً للقاضية فاتو بنسودا التي فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات بحقها، ومعروف عن خان مواقفه الصارمة وقاد تحقيقات للأمم المتحدة حول الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

وتطالب الجنائية الدولية، بتسليم البشير ووزير دفاعه السابق، عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الدولة بالداخلية السابق، أحمد هارون، المتهمين بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي في إقليم دارفور؛ ويتوافق على تسليم البشير عدد كبير من أسر الضحايا في دارفور سبق وأعلنوا عن موقفهم الرافض لأي تسوية تعفي المعزول من المحاكمة لدى الجنائية.

سيناريوهات

ويرى الخبير الاستراتيجي بروف عثمان أحمد خيري في حديثه لـ(الصيحة) أن توافق الانتقالية وحسم أمر تسليم المطلوبين له تداعيات خطيرة من هذه الخطوة، قال فيها: هنالك عقبة وهي أن المحكمة الجنائية الدولية تعمل وفق صلاحياتها المقيدة بالقانون الدولي والتي تشير بوضوح لعدم قدرتها على ممارسة هذه الصلاحيات إلا في حالتين، وهي أن يفشل القضاء الوطني، أو أن يرفض محاكمته لشخص معين.

لكن محللين أشاروا إلى أن إعلان تسليم البشير وأعوانه يخضع للعديد من السيناريوهات وأن الخطوة ربما تكون عكس ما يشاع بأن يساق المحكومون إلى الجنائية (للمثول) أمامها، وقد يحاكموا داخل البلاد لكن وفقاً لاختصاص الجنائية.

وبين بروف خيري أن المطلوبين حتى الآن ما زالوا (مشتبه) فيهم، ولكي يتم المثول، يجب أن يتم القبض عليهم ومن ثم تسليمهم. وكون أنهم الآن مقبوض عليهم هذا يقود إلى أن جريمة الموقوفين بسببها تختلف عن جرائم سابقة صاروا مطلوبين لأجلها في لاهاي وهي جرائم الإبادة الجماعية. ويقول خيري: من حق المطلوبين رفض المثول لإنفاذ أوامر الجنائية.

خيار الهجين

وحسب قانونيين، فإن هنالك فرصاً لمحاكمتهم بالداخل في محكمة (هجين) أو (مختلطة) تضم قضاء دوليين ومحليين. وحسب الخبير القانوني نبيل أديب في حديث سابق (للصيحة)، فإن المحكمة (الهجين) أو المختلطة تعتبر مناسبة وستحل الإشكالات العالقة والجدل الدائر بسبب الجنائية، ولكن في حال طبق فيها قانون المحكمة الجنائية نفسها، (القانون الجنائي الدولي)، وقال إن هذا الفكرة طبقت عدة مرات سابقة، في دول مثل رواندا، وقال: أرى أن مثل هذه المحاكم مقبولة وتحوز على رض الطرفين، لجهة أن القانون الذي سيطبق قانون دولي وبواسطة قضاء مختلطين، دوليين ومحليين، يضمن النزاهة، ويقبل من الطرفين، وأردف: في حال تم إنشاء محكمة (هجين) بالداخل ستقوم مقام الجنائية في تطبيق بنود القانون مع وجود رقابة دولية من قبل القضاة الدوليين .

تقرير- نجدة بشارة
صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات

  1. السؤال الذي يطرح نفسه هل البشير ورفاقه هم الذين قتلو .اين الحركات المسلحة الزرقة التي كانت تقتل الاقليات العربية بقصد الخلاص منهم هي حقائق وتداعيات الحكومة في الخرطوم لانشاء مليشيات من قبائل ذات اصول عربية لحماية أهلهم .قضية وحرب دارفور من قبل البشير وايضا بعد عهد البشير .علي المحكمة الجنائية اعادت النظر في هذا الملف .محاكمة هؤلاء لبس الخلاص من هذه القضية بل زرع بذور اخري للفتنة من دارفور والشمال.