مجزرة العيلفون
من عدل الحق سبحانه وتعالى انه لم يترك ثغرة للقتلة والسفاحين يفلتون عبرها من العقاب، فان لم يكتشفوا وينالوا عقابهم في الحياة الدنيا فيوم الحساب في الآخرة في انتظارهم، فجرائم القتل لن تسقط الى يوم الدين، وتاريخ النظام البائد القمعي مليء بجرائم القتل والسحل وازهاق الأرواح، اذ كان القتل هو أسهل الطرق التي كان يستخدمها النظام للبقاء في الحكم والتخلص من الخصوم ودفنهم بليل جماعات وفرادى، ومن هذه الجرائم الجريمة التي اصطلح على تسميتها (مجزرة العيلفون)، فرغم مرور اكثر من عشرين عاما على ارتكاب النظام عبر بعض متنفذيه لهذه الجريمة البشعة، ورغم طمره للقضية ومواراتها الثرى مع الضحايا، الا انها لم ولن تموت وتندثر، فها هي السلطات بعد اكتشافها للمقبرة الجماعية التي ضمت رفات ضحايا المجزرة، تشرع في التحقيق مع من تشير اليهم الوقائع من سدنة النظام المخلوع بالضلوع في هذه الجريمة النكراء توطئة لمحاكمتهم والاقتصاص للشهداء..
ولفائدة جيل الثورة اليوم الذين ربما يكون بعضهم قد ولد ما بعد هذا الحدث الحزين، بينما يكون اكبرهم في سن صغيرة سنة وقوعها، نقول تعود احداث هذه الجريمة التي تعد الى جانب مجزرة فض الاعتصام من اكبر جرائم القتل الجماعي على مر تاريخ السودان، هذا غير العديد من جرائم القتل التي ولغ فيها النظام، نذكر منها على سبيل المثال مجزرة بورتسودان التي قتل فيها النظام اكثر من عشرين نفسا، وحادثة كجبار والاعوج بالنيل الابيض وغيرها من جرائم القتل..تعود جريمة العيلفون (ضاحية تقع شرق الخرطوم) الى عام1998 ، وكان احد معسكرات التجنيد الاجباري القسري للطلاب والشباب يقع فى هذه الضاحية، وكان هدف النظام من هذا التجنيد الاجباري ان يقدم هذا الشباب النضر وقودا لحربه الدينية مع الحركة الشعبية ما قبل اتفاق نيفاشا، وكانت وقتها شوارع العاصمة والمدن الاخرى تشهد عمليات مطاردة عنيفة لاقتناص هؤلاء الشباب وحشرهم عنوة في (دفارات) فى عملية اصطلح على تسميتها شعبيا (الكشة) واخذهم للمعسكرات دون علم ذويهم، وكانت عمليات تصيد الشباب تلك تتم بطريقة مذلة تعيد للذاكرة عمليات اصطياد العبيد على ايام (تجارة الرقيق)، وفى ليلة الحادث المشؤوم الذي راح ضحيته اكثر من مئة شاب غض الاهاب، يقول شهود عيان من داخل المعسكر، ان تلك الليلة الحزينة كانت هي الليلة التي ينبلج بعدها صبح أول ايام عيد الاضحى، وكان هؤلاء الشباب طلبوا من ادارة المعسكر منحهم اذنا لقضاء العيد مع ذويهم، وعندما رفضت الادار الطلب قرر هؤلاء الشباب التسلل من المعسكر والذهاب الى اهلهم لقضاء العيد، وعندما علمت ادارة المعسكر بما انتواه الشباب لحظة التنفيذ، صدرت الاوامر لحراس البوابة باطلاق النار على المتسللين، فقضى بعضهم بنيران الاسلحة، وبعضهم الآخر وهم الاكثرية حاولوا تفادي الرصاص بالقفز الى داخل النهر القريب من سور المعسكر فماتوا غرقا، فيما كتبت النجاة للبعض، ورغم مأساوية هذا الحادث الذي صادف اول ايام العيد، الا ان النظام احاطه بسياج من الكتمان ولم يدلي بأي افادة حوله، ولو كلمات عزاء لأهل الضحايا رغم فظاعة المأساة والفقد.. هذه باختصار هي الحقائق المجردة لهذا الحادث المؤلم المرعب، وما كان له ان يقع لولا ولوغ النظام فى دماء الابرياء واستسهاله قتل الناس، اذ لم يكن هناك أي مبرر لاستخدام السلاح الذي قتل به بعضهم وقضى بعضهم غرقاً عندما حاولوا تفادي الرصاص.
حيدر المكاشفي – صحيفة الجريدة