مقالات متنوعة

تعويم الجنيه.. ثم ماذا بعد؟

من الصعب التكهن بمآلات سياسة تعويم الجنيه التي تم الإعلان عنها رسميا أمس الأول، مازال الوقت مبكرا للحكم على الخطوة، هذا لا يمنعنا بالطبع السؤال عن التدابير التي اتخذتها الدولة لامتصاص الآثار المترتبة على تحرير سعر الصرف، تمنيت لو أعلنت الحكومة ما فعلته من استعدادات قبل اتخاذ قرارها الذي يحمل مخاطر عديدة تهدد بقاء الحكومة نفسها و حياة الشعب السوداني الموزع بين الأزمات والإحباطات.
لم يستغرب المراقبون إعلان الخطوة على خلفية التزام الحكومة بسياسة صندوق النقد والبنك الدوليين، إذ يوجد اتفاق منذ العام الماضي وشهر يونيو بالتحديد على خطوات لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني من بينها رفع الدعم عن السلع وتعويم الجنيه.
أستغرب المواقف المناهضة للتطورات الاقتصادية من أجسام تمثل الحاضنة السياسية لقوى الحرية والتغيير، هذا الأمر يعني أحد أمرين إما أن القرارات فوقية ولا تتنزل إلى واقع المكونات المنضوية تحت لواء قحت حاضنة حكومة الدكتور عبدالله حمدوك ، أو أن هذه الأحزاب تمارس استهبالا مكشوفا.
عجبت من الاعتراضات التي تقوم هنا وهناك من أطراف ما زالوا يحتفظون في جيوبهم ببطاقات قوى الحرية والتغيير، واستغربت أكثر لحديث الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية وهو ينفي وجود أي بعد خارجي في اتخاذ خطوة تعويم الجنيه وما سبقها من إجراءات اقتصادية.
لا أعتقد أن إنكار الواقع سيفيد، الأجدى أن تمضي الدولة في السياسة التي عزمت عليها وأن تضع في أولوياتها أن المجتمع الدولي والدعومات الخارجية أمر مهم لإنجاح سياسة تعويم الجنيه التي تعتمد في الأساس على إحداث توازن بين العرض والطلب وتجسير الفجوة بين الصادرات والواردات والتي وصلت إلى 5,9 مليار دولار تحتاجها خزينتنا العامة حتى ينهض السودان من كبوته الحالية.
لا أعتقد أن هنالك داع لإخفاء الحقائق فقد رحبت الولايات المتحدة عبر سفارتها في الخرطوم بالخطوة كما أن البنك الدولي أصدر بيانا حمل تصفيقا حارا لما فعلته الحكومة السودانية من خطوات لتحسين الوضع الاقتصادي أبرزها تعويم الجنيه، فالبعد الخارجي كان قائما في قرار الحكومة.
في تقديري ليس مهما الآن إن كان القرار وطنيا خالصا أو مستوردا ، المهم الآن مستوى التزام المجتمع الدولي بإسناد السودان في هذه المرحلة ، وإلى أي مدى يستشعر أصدقاء بلادي احتياجه للدعم والإسناد في هذا التوقيت حتى لا ينطبق عليه بيت الشعر، ألقوه في اليم مكتوفا وقالوا له إياك إياك أن تبتل بالماء..
تعويم سعر الصرف كذلك يعني أن تبدع الحكومة في تقديم حوافز تقنع المغتربين بتحويل أموالهم عبر القنوات المصرفية المعتمدة، وأن تسعى لتقليل الإنفاق الحكومي ووقف الاستدانة وطباعة العملة ومضاعفة التضخم.
الخطوة تلزم الدولة برعاية ضعف المواطن الفقير الذي سيتأذى من التعويم، لابد من ابتداع إجراءات تعين جيبه المنهك على مواجهة طوفان السوق والتغلب على غول الأسعار.

محمد عبد القادر.. صحيفة اليوم التالي