مقالات متنوعة

ثقافة الإختلاف والروح الرياضية!!


التاج بشير الجعفري

[ نحتاج لتغيير المفاهيم والعمل بجد لإيجاد قادة من الشباب يتمتعون بفكر جديد وعقلية متفتحة تستفيد من أخطاء الماضي وتعمل على بناء المستقبل الزاهر.]

جميعنا يعلم أن فريقا القمة في كرة القدم السودانية الهلال والمريخ ظلا لفترة طويلة يبحثان عن تحقيق بطولة من البطولات الأفريقية (إذا إستثنينا بطولة كأس الكؤوس الأفريقية او كأس الزعيم مانديلا التي فاز بها المريخ في عام 1989م)، وذلك رغم أن السودان كان أحد مؤسسي الإتحاد الأفريقي لكرة القدم وفاز بالبطولة على مستوى المنتخبات الوطنية في العام 1970م أيام الجيل الذهبي من عباقرة كرة القدم السودانية – إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ البعيد لم ينجح أي من الفريقان أو المنتخب الوطني في الفوز باي بطولة كبيرة رغم أنه سبق لهما ان وصلا للمباراة النهائية لبطولة دوري الأبطال وكأس الاتحاد الأفريقي أكثر من مرة خاصة فريق الهلال.
ولكن اتدرون لماذا لم يستطيعا الفوز ببطولة قارية كبيرة رغم تاريخهما التليد في كرة القدم الأفريقية إذ يعود تأسيس المريخ والهلال إلى حقبة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي على التوالي؟
السبب أن أي منهما لن يرضى أن يحصل الآخر على اي لقب أفريقي كبير قبل أن يتحقق له ذلك، وبذلك ظل كل منهما يعمل على تعطيل الآخر (في الخفاء طبعا) وتمني عدم فوزه، وكثيرا ما شهدنا فرحة عشاق أي منهما على هزيمة الآخر وخسارته للقب، لا لشيء إلا لأن كل منهما يود ان يكون له قدح السبق في هذا الجانب، وبذلك تسببا في خسارة السودان لهذه الجهود والتي صرفت عليها الكثير من الأموال خاصة خلال السنوات الأخيرة والتي لو وظفت بشكل صحيح لبناء فريق واحد باسم السودان (كالمنتخب الوطني مثلا) لحصد العديد من الكؤوس والألقاب.
الأسباب وراء هذه الهوة العميقة بين الفريقين – ممثلة في إدارتيهما والاعلاميين الرياضيين المحسوبين على كل جانب – هو النظرة الضيقة والتفكير المحدود والذي ينحصر فقط في أن ينكفيء كل منهما على نفسه ويتمترس في قواعده ويعرقل مسيرة الآخر ما أمكن له ذلك وعدم تقديم مجرد التمنيات الصادقة ناهيك على واجب الدعم والمساندة، بل العمل على منعه من تحقيق اي إنجاز وبذلك يكون سعيدا وقد تحقق هدفه، وهذه لعمري مفارقة عجيبة!!
والله إنها لمصيبة وفشل ذريع ألا يتحقق لجماهير الفريقين الوفية والصابرة إنجاز ظلت تمني به النفس لفترات طويلة. فبعد أن كان الأمل يحدو الأجداد في رؤية هذه الالقاب، انتقل منهم للآباء والآن في طريقه ليصبح حلما للأحفاد وقد لا يتحقق!!
ما دعاني لتناول هذا الموضوع هو حوجتنا لإدارة الخلافات والاختلافات بيننا في كل المجالات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والرياضية وغيرها، فما ذكرته عن فريقي “القمة” ينطبق بكل تفاصيله على المشهد السياسي الذي تتصارع وتتنافس فيه الأحزاب في عرقلة وتعطيل بعضها البعض دون مراعاة للمصالح الوطنية العليا.
الاختلاف في الآراء هو نعمة يجب أن نستثمرها بشكل صحيح في اثراء الحياة السياسية والنقد البناء وتوفير البدائل من الآراء والحلول التي تساعد على جسر الهوة بين الفرقاء السياسيين وتجمعهم على برنامج واحد وأهداف مشتركة تتحقق من خلالها الرفاهية والعيش الكريم للناس، ولكن للأسف ليس لهذه الاحزاب ما تتنافس به مع بعضها البعض سوى المناكفات والإصرار على العمل بنفس الايدلوجيات والشعارات والأدوات القديمة التي ظللنا نسمعها ولم تقدم شيء ولم تعد تلائم او تلبي متطلبات العصر الذي نعيشه.
العالم يتغير من حولنا والدول تتطور وترسم الخطط طويلة الأمد بعد أن وفرت رغد العيش والرفاهية لمواطنيها، وبالمقابل احزابنا لا تزال تتصارع حول السلطة والمناصب.
نحتاج لتغيير المفاهيم والعمل بجد لإيجاد قادة من الشباب يتمتعون بفكر جديد وعقلية متفتحة تستفيد من أخطاء الماضي وتعمل على بناء المستقبل الزاهر، فبلادنا – بحمد الله – تمتلك كل المقومات التي تمكننا ان نصنع منها بلدا عظيما إن خلصت النوايا وتوحدت الجهود التي تحتاج إلى مبادرات تتخطى الحدود الضيقة للأحزاب والأفراد وتنفتح على الآخر بإخلاص ورغبة في العمل كشركاء يحملون هما واحدا هو رفعة هذا البلد وأهله الكرام.
لقد جربت الأحزاب خلال فتراتها القصيرة في الحكم في الحقب الماضية جل التكتيكات في التعامل غير الشفاف مع بعضها البعض ولقد أن الأوان أن تبدأ في تغيير هذا النهج وتتبنى نهج الشراكة الحقيقية التي تجعل من التنوع والاختلاف الاثني والعرقي والثقافي الذي يحتويه هذا الوطن الشامخ عامل قوة ومنعة لا وسيلة لاضعافنا وتفرقنا.
ادعو كل الأحزاب والكيانات إلى تغليب مصلحة الوطن وتغيير النهج وتجديد الأدوات والأفكار لبناء سودان جديد يحتاج لجهود كل أبنائه المخلصين بلا استثناء سعيا لتحقيق السلام والتنمية والازدهار.

صحيفة الانتباهة