كمال حامد: الموظف الحكومي خدام المواطن !!
ليس في بلدنا خدمة مدنية فهذا وهم حان أوان مغادرته والتخارج منه والعمل على تأسيس منظومة خدمة مدنية بقوانين وتأهيل وتدريب يجعل من يجلس على الكرسي يدرك ويستوعب أنه مهما كانت درجته الوظيفية وفخامة مكتبه فهو يجب أن يكون خدام ومتواضع ومذعن لصاحب الحاجة الواقف أمامه.
ما هي مناسبة هذا الكلام ؟
شاهدت اليوم فيديو لمواطنين في مكتب من يفترض فيه أنه خدامهم وشعرت من سلوكه معهم بالصلف والاستعلاء وكان يشعرهم بردوده أنه مشغول ، فأرادوا إفهامه أنهم جزء من شغله ، وبدأ كعادة موظفنا الحكومة بتوجيه الحوار لزاوية التضييق وطلب منهم عدم رفع الصوت ، وكيف يرفعوا أصواتهم وهم في حضرة جنابه الفخيم ومقامه العالي ؟
طبعا والحال كذلك فطبيعي أن تتوتر أعصاب طالب الخدمة وحامل المشكلة وزاد من ضغطه حين قال له صاحب المقام العالي :
( أنا ما شغال معاك !!)
طبعا ردوا عليه وذكروه بأنه شغال معاهم ولأجلهم ولكن لا أظن صاحب الفخامة سيستوعب هذه الحقيقة البدهية ، وهو معذور.
لماذا هو معذور ؟
لان هذا السودان ومنذ أن دخله الحكم التركي في 1821م أسسوا فيه نظاما وظيفيا لخدمة الحكام الأجانب لا الناس ، وهو نظام يقوم على القسوة والاستعلاء.
ونفس الفهم استمر خلال فترة الحكم الثنائي من 1899م حتى 1955م وكان تسابق السودانيين نحو السودنة لأجل وراثة النظام والمفاهيم التي تجعل من كل موظف حكومي باشا كبير وباشا صغير يشعر بالتفضل والتكرم على صاحب الحاجة أمامه.
الأنجليز لم يكونوا حريصين على تصميم نظام تعليمي يفجر الطاقات بل صمموا نظاما تعليميا يؤهل الطالب ليواصل في نفس مسار خدمة الحكومة لا المواطن وكان ذلك في الوقت الذي كان فيه للإنجليز أفضل نظام تعليمي تقتبس منه فرنسا والدول الأخرى ، فلماذا لم ينقلوه للسودان إذن ؟
لهذا نشأت في بلادنا الحركات المسلحة التي ترى أن من أهم مكاسبها الحصول على نسبة من كراسي الوظائف لأنها كراسي سلطة بدرجات متعددة ولو كانت فعلا كراسي خدامين لما تكالب عليها أحد.
كمال حامد