مقالات متنوعة

مرتضى الغالي يكتب ميادين الأحياء.. عدوى بالمخالطة..!


جاءتني شكوى من مدينة الثورة بأم درمان حول ميادين الأحياء.. والاستيلاء عليها..وهي قضية عامة تتعلق بمعظم مدن السودان.. وطبعا الاستيلاء تم بواسطة حرامية الإنقاذ وبموافقة مسؤوليها صغارهم وكبارهم.. والحقيقة ليس بين الإنقاذيين كبار.. إنما كلهم من صِغار النفوس والهمة وعديمي الذمة ومنكمشي الضمير.. وكلهم من نتاج الصَغار.. (والصَغار بفتح الصاد) تعني الذلة والوضاعة والمهانة..وفي القرآن (سيصيب الذين أجرموا صَغارٌ عند الله وعذاب شديد..) وقد كان أمير الشعراء احمد شوقي منحازاً للأسرة الخديوية وظالماً للزعيم (احمد عرابي) عند عودة عرابي من المنفى شيخاً كسيراً..وانشأ شوقي عنه قصيدة بدأها بقوله: (صَغارٌ في الذهاب وفي الإيابِ / أهذا كل شأنك يا عرابي..؟!) وكان عرابي قد قال كلمة تشبه الاعتذار عند عودته ولكنه كان في ضعف الشيخوخة بعد المنفى الطويل وبعد سنوات طوال من أيام وقفته الباسلة أمام الخديوي توفيق في ساحة قصر عابدين حيث قال له في وجهه (لقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً ولن نُستعبد بعد اليوم)…ولكن هذه ليس قضيتنا..إنما قضيتنا هي ميادين الأحياء التي سرقتها الإنقاذ..!
طبعا كانت تحدونا (آمال كبار) أنه وبعد الثورة سيتم نصب منصات القضاء في كل مكان لمحاكمة حرامية الإنقاذ ومن سار معهم في دروب اللصوصية وكل الذين تحصّلوا على (ما ليس لهم) عن طريق المحاباة و(البيع المبخوس) وانتهاك القوانين والتعدي على حقوق الآخرين ومخالفة قواعد ملكية الأراضي.. ومن بين هؤلاء الذي احتلوا الميادين وشيدوا فيها منازلهم وعمائرهم من الأفراد والأسر مع علمهم بأنهم يتغوّلون على ميادين المدن والأحياء ولكنهم أرادوا الاستفادة من فساد الإنقاذ وتشييد (بيوتهم الظالمة) على حساب السكان.. والأحياء هي متنفس الساكنين ومكان رواحهم وصلاتهم ومناسباتهم في الفرح والكره وملاعب أطفالهم وصباياهم وساحة لقاءات الشباب لممارسة رياضتهم وأنشطتهم إلى آخر وظائف الميادين المعلومة في تجديد الهواء وإصحاح البيئة..الخ لكن استطالت فيها بنايات الإنقاذيين والمنتفعين (عديمة الذوق) لتقفل الطريق وتطل في استعلاء كريه على منازل الأهالي المتواضعة.. في بلدٍ من تقاليد بلداته أن يترجّل راكب الناقة متى ما دخل إلى شوارع الأحياء السكنية حتى لا يطل على حُرمات البيوت…!
كنا نظن أن المحاكم ستسارع إلى إزالة كل عدوان الإنقاذ..ومنها التعدّي على ميادين الأحياء..فإذا بنا نقف عند محاكمة واحدة للانقلابيين.. وحتى هذه المحاكمة (اليتيمة) ما زالت في بدايات بداياتها.. ولا يزال الانقلابيون (سناح الوجوه) ومن معهم من المحامين (ذوي السحنات الناشفة) يتقافزون بين الطاولات ويلاوون القاضي حتى في الإجراءات ويجادلون المتحرّي الذي لم يكمل حتى الآن تلاوة أقوال ثلاثة أو أربعة منهم..وأحدهم نفى ما ذكره للمتحرّي بعضمة لسانه وقال إن المحكمة (عاوزه تحرجو مع إخوانو)..! فكيف يكون العمل عندما تلتفت النيابات والمحاكم إلى قضايا من وزن محرقة دارفور والنيل الأزرق وكردفان ومذابح الإنقاذ الموزّعة في أنحاء الوطن وقضايا التعذيب وسرقة أموال البترول والقروض…الخ
ما رأى الولاة والإدارة العمرانية ووزارات التخطيط في سرقة ميادين الأحياء؟ وكيف يمكن التعامل معها وقد أصبحت الميادين عمارات وفلل امتلكها أشخاص بالسرقة وآخرون بالمحاباة وبعضهم بموت الضمير.. لأنهم حتى وإن دفعوا بعض المال للصوص الإنقاذ ثمناً للأرض فإنهم كانوا يعلمون أنها ميادين مُغتصبة ..لنفكر جميعاً كيف يمكن استعادة هذه الميادين مهما كانت قسوة (العمليات الجراحية) حتى يتوب الناس من استباحة القوانين وحتى نضع حداً للمهادنة في الحق واستدامة الباطل ..!!

صحيفة السوداني