مقالات متنوعة

لؤي الريح أباذر يكتب السودان.. مصير “المستقبل السياسي” للأحزاب والحركات المسلحة

بعد إعلان الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان، التي تم إقرارها من قبل مجلسي السيادة والوزراء.

وتم بموجبها زيادة عدد أعضاء مجلس شركاء الفترة الانتقالية في السودان وزيادة عدد الوزارات التي أصبحت 26 وزارة متجاوزة العدد الذي أقرته الوثيقة الدستورية سابقاً “بألا يتجاوز العشرين وزارة من الكفاءات الوطنية المستقلة بالتشاور)، وبعد توقيع اتفاق سلام جوبا الذي منح الحركات المسلحة حق المشاركة في حكومة الفترة الانتقالية، واقتناص الأحزاب لهذه الفرصة بالمشاركة في حكومة الفترة الانتقالية، نتوقف أمام سؤالين؛ الأول: هل قضت الأحزاب والحركات السودانية على نفسها بتولي قادتها مناصب وزارية في الفترة الانتقالية؟ والثاني: ما مصير البند الخاص “بحظر الترشح في الانتخابات” الذي ورد في نص الوثيقة الدستورية الانتقالية تحت المادة التاسعة عشرة “لا يحق لرئيس وأعضاء مجلس السيادة والوزراء وولاة الولايات أو حكام الأقاليم الترشح في الانتخابات العامة التي تلي الفترة الانتقالية”؟

هل سيتم تغيير هذا البند لاحقاً بناءً على معطيات المرحلة أم سيتم التغاضي عنه لمصلحة الأحزاب والحركات المسلحة التي دفعت بقيادتها ومفكريها وساستها وكفاءاتها في المرحلة الانتقالية، أم لدى الأحزاب أجيال جديدة وشخصيات جديدة ستدفع بها للترشح في الانتخابات العامة وتجهيزها فيما تبقى من الفترة الانتقالية التي شارفت على الانتهاء؟

الشخصيات التي تولت مناصب سيادية ووزارية في هذه الفترة الانتقالية لها مكانتها في أحزابها وحركاتها المسلحة والمدنية، بل فيها بعض قادة هذه الحركات، وهي شخصيات يعرفها الرأي العام الداخلي والخارجي ولها مكانتها في العمل السياسي وكافحت وناضلت ضد “حكم الإخوان” لسنوات، وترغب في صنع مستقبل جديد للسودان ومشهود لها بالدفاع عن الانتماء الوطني، لذا نقول إن الأحزاب والحركات قد “أحرقت ورقة الجوكر” قبل بدء العملية السياسية الفعلية، وبالتالي هدمت مستقبلها السياسي قبل أن تبدأ في بنائه، وقد وقعت في “فخ وكمين” رسم بصورة عبقرية عجلة سقوطها من خارطة الانتخابات المقبلة.

كان لا بد للأحزاب والحركات أن تفهم قواعد العمل السياسي لتسهم في بناء السودان بمبدأ “وطن يسع الجميع”، وألا تعمل بمبدأ التجربة والتنظير حسب متطلبات ومعطيات كل مرحلة، بل تستعد وتخطط وتدرس وترسم ملامح كل خطوة بحسابات سياسية واقتصادية تخدم المواطن السوداني وتدفع باتجاه تحقيق التنمية والتطوير المنهجي والعملي للشعب السوداني في كل مناحي الحياة.

بهذه الخطوة التي اتخذتها الأحزاب والحركات وضعت نفسها أمام معضلة تستدعي البحث بصورة عاجلة عن شخصيات جديدة بديلة للشخصيات التي شاركت في الفترة الانتقالية، لتدفع بها لخوض غمار الانتخابات العامة “في حال تم إقرارها”، وتقوم بتقديمها للرأي العام والشارع السوداني ليتعرف عليها ويدعمها لاحقاً، وإذا لم تعمل على تحقيق هذه الخطوة ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما.

الخيار الأول هو تمديد الفترة الانتقالية لإعطاء متسع من الوقت للأحزاب والحركات لتجهيز نفسها لخوض الانتخابات العامة، من خلال تعديل بنود الوثيقة الدستورية بما يتماشى مع متطلبات المرحلة، وهذا يتعارض مع بنود الوثيقة وسوف يرفضه الشعب جملة وتفصيلاً، ما سيعيد حالة الاحتقان إلى الشارع السوداني “المكتوي” بنيران التدهور الاقتصادي والمعيشي، والفشل الحكومي في إدارة شؤون البلاد.

أما الخيار الثاني، الذي سيوقف حالة التخبط السياسي والارتباك الإداري والتنفيذ في مكونات الفترة الانتقالية، هو تشكيل المجلس التشريعي الذي سيقوم على صياغة ووضع بنود دستور يستوعب كل هذه التغييرات التي حدثت في الفترة الانتقالية، ويسهم في سن القوانين والتشريعات التي تحكم عملية الانتخابات وتعيين الوزراء والولاة وحكام الأقاليم، لأن المجلس التشريعي سيمثل كل أبناء السودان بكل قبائله وأحزابه وحركاته المسلحة والمدنية ومنظماته وهيئاته المجتمعية، ويمارس مهامه التشريعية والدستورية بصورة شفافة تسهم في دفع مسيرة البناء والتعمير وخلق سودان جديد يسع الجميع دون جهوية ولا قبلية، ما سينتج عنه عمل يسهم في خلق بوتقة متجانسة ومتكاملة من كل أبناء السودان.

المدة التي مضت من الفترة الانتقالية كان السمة البارزة فيها التخبط السياسي والتنظير الاقتصادي في العديد من المجالات، وكان هذا السبب الرئيسي للتدهور الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي، كل ذلك نتيجة لعدم وجود رقابة ولا محاسبة لأجهزة الدولة، وغياب المجلس التشريعي، الذي بجانب عمله على سن القوانين فهو يعمل بصورة غير مباشرة على مراقبة عمل أجهزة الدولة والتوجيه السليم لكل هياكل الدولة الإدارية والتنفيذية.

لذا يجب الإسراع في تشكيل “المجلس التشريعي” ليمارس مهامه الدستورية ويضع بصمة في مسيرة العمل السياسي قبل قيام الانتخابات العامة لملء الفراغ الدستوري والتشريعي في هذه الفترة الحرجة من عمر السودان.

صحيفة السوداني