يوسف السندي يكتب مصير الديمقراطية الرابعة ؟
الديمقراطية ليست قرآن منزل ولا كتاب مقدس وإنما هي افضل وسيلة حكم بشرية في عصرنا الراهن، صاغتها البشرية عبر مراحل طويلة في مسارها الأبدي نحو تحقيق غاية سامية هي العدل، هل العدل يمكن أن يتوفر بدون ديمقراطية؟ من الصعب أن لم يكن من المستحيل حدوث ذلك في العصر الحديث بعد أن جرب العالم وشاهد الفرق بين الاليات الديمقراطية العادلة في الوصول الى السلطة كالانتخابات والآليات الشمولية في الوصول إلى السلطة كالانقلاب.
حركات التغيير التي تعمل من اجل ترسيخ الديمقراطية في البلدان هي حركات وعي وليست حركات احتجاج او انتفاضة، لا يمكن الجزم بأن كل احتجاج او انتفاضة سيتبعه بالتأكيد حكم ديمقراطي، بينما يمكن الجزم بأن تصاعد الوعي لدى المجتمع وبلوغه مرحلة الإيمان بالعدالة في توزيع السلطة وفي المشاركة والمساواة امام القانون سيقود حتما لترسيخ الديمقراطية. كذلك لا يمكن الجزم بان الاطاحة بنظام دكتاتوري في بلد ما ستقود إلى الديمقراطية المستدامة، فهذا البلد اذا لم تتوفر فيه قاعدة وعي كافية لنمو الديمقراطية من الصعوبة بمكان ازدهارها فيه، ولنا في السودان تجارب ماضية حين أطاحت ثورتي أكتوبر وأبريل بنظامي عبود ونميري الشموليين وفشلتا في التحول نحو الديمقراطية نتيجة لتدني الوعي بالديمقراطية لدى الجماهير وعدم ايمان الأحزاب السياسية بالديمقراطية وتامرها وانقلابها عليها في ١٩٦٩ وفي ١٩٨٩.
هذا الحديث لا يعني أن الاطاحة بالانظمة الدكتاتورية هي عملية عبثية لا تقود الى الديمقراطية، فالثورات التي تطيح بالأنظمة الشمولية تلعب دورا حاسما في زيادة الايمان بالحقوق والحريات، ورفع مستوى الوعي بقيم الديمقراطية والعدالة وزيادة الاستنارة بقيم حكم القانون والسلام والمساواة، وهذه هي الركائز الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية، فالوعي بالديمقراطية لا يهبط من السماء ولا يكتسب من العدم وإنما يكتسب بالممارسة والتدريج، نعم قد تختلف درجة سرعة اكتساب الوعي الديمقراطي بين الشعوب، فتكتسبها بعض الشعوب بسرعة وتكتسبها الأخرى ببطء ولذلك عوامل متعددة، ولكنها في نهاية الأمر مصير حتمي سيعم شعوب الأرض جميعا عاجلا أم اجلا لأن حركة التاريخ تسير في هذا الاتجاه .
فشل شعبنا في استدامة الديمقراطية مرتين بعد ثورتي أكتوبر ١٩٦٤ وابريل ١٩٨٥، ولكنه اكتسب من هاتين الثورتين دروسا عظيمة، وتجارب وعبر، واكتسب وعيا متزايدا بالحقوق والحريات، وها هو يفجر الثورة الثالثة في ديسمبر ويقتلع شمولية ثالثة في مساره نحو استدامة الديمقراطية، ولكن هل يمكننا الجزم بقدرتنا على بناء ديمقراطية مستدامة هذه المرة؟ يبدو هذا عسيرا حتى هذه اللحظة، فالتحديات الماثلة امام الديمقراطية الرابعة عديدة ومقلقة، والمؤشرات ليست جيدة خاصة في ظل وجود شبح الحرب ونقص التعليم وضعف التنمية وهجرة العقول للخارج وتنامي ظواهر القبلية والجهوية وحدة الصراع السياسي على السلطة بين التنظيمات السياسية والشد والجذب بين المدنيين والعسكريين، وكلها تعقيدات مانعة، ولكنها تعقيدات واقعية لابد من مواجهتها في الهواء الطلق اذا اردنا ان نبني ديمقراطية مستدامة، فهذه المواجهة المباشرة بالحوار السياسي أو المجتمعي او الاكاديمي المنشور عبر الوسائط سوف يزيد من معدلات الوعي بالحقوق والديمقراطية بين الجماهير ويزيد من فرص استقرار الديمقراطية الرابعة وحمايتها بواسطة وعي الجماهير في المستقبل
صحيفة السوداني