مزمل ابو القاسم

التشريعي.. والدستورية

* تُمثل الحكومة الحالية طيفاً سياسياً واسعاً، لم يتوافر لسابقتها، لجهة أنها تستند إلى أحزابٍ كبيرةٍ، ومكوناتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ مؤثرةٍ، مثلما اكتسبت زخماً إضافياً بدخول القوى الموقعة على اتفاق سلام جوبا فيها.

* توليفة بهذا الحجم الضخم ينبغي أن تحظى بفعاليةٍ لافتةٍ، وأن تشهد تنسيقاً أعلى بين مكوناتها، لتحقيق الأهداف المعلنة للفترة الانتقالية.

* ليس مقبولاً أن يتحدث بعض قادة الأحزاب المشاركة في الحكومة لمطالبتها بأن تفعل هذا وتترك ذاك في معرض مخاطبات سياسية عادية، يتوهم من يستمع إليها أنها صادرة من جهات مستقلة لا علاقة لها بالحكومة، أو من معارضين لها، لا يعجبهم أداؤها.

* الصحيح والمتوقع أن يمارس هؤلاء القادة مهامهم داخل المكونات التي تمثل مرجعيةً سياسيةً لسلطتهم، وأن يتحملوا مسؤولياتهم، ويؤدوا واجباتهم، ويجتهدوا لتصحيح مسار الحكومة التي يشاركون فيها بأحزابهم، ويسعوا إلى توجيه دفتها بما يتفق مع نصوص الوثيقة التي تحكمها، ويخدم ملف الانتقال، ويحقق الأهداف المراد بلوغها بنهاية الفترة الحالية.

* قبل يومين تحدث المهندس عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني محملاً الحكومة الانتقالية مسؤولية الفشل الذي عمَّ بموجبه الإحباط في الشارع السوداني، لافتاً إلى أن الشعب قادر على تجاوز الجميع، مدنيين وعسكريين، وذكر أن المواطنين يمدون حبال الصبر وقد يأتي يوم ينفجر فيه البركان في وجه الحكومة، إذا لم تحسن التعامل مع الأزمات المعيشية والخدمية التي تسببت في تمدد حالة الإحباط والحنق بين الناس.

* في الملتقى نفسه، أي على هامش المؤتمر الخامس لحزب المؤتمر السوداني في ولاية الجزيرة؛ دعا الدقير إلى تكوين المحكمة الدستورية، لضمان تحقيق العدالة، مع تكوين المجلس التشريعي، وذكر أن غياب (الدستورية) تسبب في الإخلال ببنية العدالة.

* نحترم جرأة الدقير، ونشهد له بالتصالح مع الذات، وعدم الصمت على الأخطاء، والاجتهاد لتصحيح المسار، لكن الحديث الذي أدلى به ينبغي أن لا يطلق في مخاطبةٍ سياسيةٍ عادية، لأن مكانه الطبيعي هو قاعة اجتماعات مجلس الشركاء، والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.

* في مثل تلك المواضع ينبغي أن يتردد ذلك الحديث المسؤول، وداخلها ينبغي أن تتم المواجهة، وانتقاد الأخطاء، لتصحيحها في المكون الذي يمتلك سلطة التصحيح.

* قبل الدقير تحدث مني أركو مناوي، قائد حركة تحرير السودان، منتقداً الوثيقة الدستورية، واصفاً إياها بأنها دون قامة الثورة، وذكر أن لا فائدة ترجى من تكوين المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية في وجود لجنة التفكيك.

* لا أحد يمتلك تفسيراً معقولاً لمسببات غياب المجلس التشريعي، بعد مرور عام وثمانية أشهر على تكوين حكومة الثورة، علماً أن الوثيقة الدستورية نصت على تكوينه بعد مرور تسعين يوماً من تاريخ توقيع الوثيقة.

* عندما تجاوزوا السقف الزماني المحدد لتكوين المجلس ذكروا أن التأخير مقصود؛ انتظاراً لإنجاز ملف السلام، وبالحرص على إشراك القوى الموقعة على اتفاق جوبا فيه.

* ها قد تحول السلام إلى واقع، وتم توقيع الاتفاق قبل أكثر من خمسة أشهر، فما الذي يؤخر تكوين المجلس التشريعي إذن؟

* ألا يثبت غيابه عدم رغبة مكونات حكومة الفترة الانتقالية في تشكيله، ويثبت حرصها على حجبه؟

* لاحقاً.. وقبل إعلان التوليفة الحالية للحكومة في شقيها السيادي والتنفيذي تم تحديد الأول من شهر مارس الحالي موعداً لتكوين المجلس، وها قد مضت ثلاثة وعشرون يوماً على الموعد المضروب من دون أن يظهر إلى حيز الوجود.

* لذلك نسألهم مجدداً، إلى متى سيتواصل انتهاك الوثيقة الدستورية بتغييب المجلس؟

* ما الذي يمنع شركاء الفترة الانتقالية من استكمال بنية المحكمة الدستورية، بعد أن أخرجت عن نطاق الخدمة عمداً قرابة العامين؟

* هل هناك أي شك في أن من بيدهم الأمر غير راغبين في وجود تلك المحكمة، وساعين إلى إعاقة العدالة بحجبها؟

* ينبغي على شركاء الفترة الانتقالية أن لا ينتظروا من الآخرين احترام الوثيقة الدستورية، ما لم يبادروا هم بتقدسيها وإظهار الاحترام اللازم لها ويحرصوا على على تنفيذها بحذافيرها، ونتوقع من الدقير ومناوي أن يصدعا بآرائهما في الموضع الصحيح، كي يكتسب فعاليةً أكبر.. تحوّل الكلمات إلى قرارات!

صحيفة اليوم التالي