الصراع حول مياه النيل وصل إلى حد الانفجار
د. توفيق حميد
لا يخفى على أحد أن الصراع حول مياه النيل بين مصر والسودان من ناحية وبين أثيوبيا من ناحية أخرى وصل إلى قرب الذروة أو كما يقولون بتعبير آخر إلى حد الانفجار.
فأثيوبيا التي طالما راودها حلم بناء هذا السد منذ سنين وسارعت في محاولات إنشائه – بعد ثورة 25 يناير في مصر- ترى السد ضرورة حتمية لتوليد الكهرباء ولنجاح اقتصادها في المرحلة القادمة. وتعتمد إثيوبيا في مشروعية بناء السد إلى إتفاق إعلان المباديء بينها وبين مصر والسودان والذ تم التوقيع عليه في مارس 2015.
أما مصر فهي تستند إلى حقائق لايمكن إنكارها، ألا وهي أن درجة أمان هذا السد لم تصل إلى مرحلة الأمان المقبولة دوليا لبناء السدود وأن سرعة ملء السد بالطريقة التي تريدها أثيوبيا تتعارض مع مبدأ عدم إحداث ضرر ذي شأن والتي ورد ذكرها في البند الثالث من إتفاق إعلان المباديء المذكور أعلاه.
وتأتي السودان لتضيف بعدا آخر للأمر حيث أن الأرض التي تم بناء السد عليها هي – كما يقولون – أرضاً سودانية تم إعارتها لمزارعين أثيوبيين عام 1902 بموجب إتفاقية تمنعهم من بناء سدود عليها إلا بعد موافقة السودان.
هذه الإتفاقية موثقة في الأمم المتحدة أي أنها من الناحية القانونية أكثر ثقلاً من الموافقة التي تمت في “إتفاق المباديء” لأن الأخير إتفاق ثلاثي وإعلان مباديء ولم يصل بعد لمرحلة إتفاقية دولية موثقة من الأمم المتحدة
أما موقف الولايات المتحدة فقد تجلى بوضوح في رفض واشنطن لملء هذا السد قبل الوصول لدرجة الأمان المقبولة بالمعايير الدولية لأن إنهياره بعد ملئه سيتسبب في موت الملايين في السودان وتشريد مثلهم في مصر. أي بكلمات أخرى سيكون إنهيار هذا السد بمثابة هولوكوست آخر لملايين من الأبرياء. وقد أوضحت وزارة الخزانة الأميركية في فبراير 2020 موقفها ورفضها أي محاولة لملء السد قبل الوصول للمعايير الدلية المعترف بها في درجة أمان السدود.
وهناك العديد من السيناريوهات المحتملة والتي ترجح أن مصر ستملي إرادتها في موضوع سد النهضة في النهاية بالرغم من تصريحات رئيس وزراء أثيوبيا “أبي أحمد” بأن ملء السد الثاني سيتم كما هو محدد له في يوليو القادم وهو موعد فيضان نهر النيل.
السيناريو الأول هو الانتظار حتى تتم كارثة من وراء هذا الملء مثل جفاف وتصحر الكثير من أراضي مصر الزراعية أو انهيار السد وموت الملايين. وهذا السيناريو الافتراضي لن تسمح به لا مصر ولا السودان لأنه دمار لايمكن إصلاحه.
السيناريو الثاني هو محاولة مصر والسودان حشد المجتمع الدولي معهما كي يتم الضغط على أثيوبيا بشدة لمنع إحتمال الكارثة مع العمل في نفس الوقت على إبرام اتفاق يتم بموجبه مساعدة أثيوبيا في الحصول على الكهرباء من مصر أو من مصادر أخرى بسعر مناسب ومخفض حتى تتمكن أثيوبيا من ملء السد في فترة مناسبة لمصر بعد استيفاء المعايير الدولية لأمانه. ومن المعروف أن مصر الآن لديها فائض في إنتاج الكهرباء يسمح لها بذلك إذا إقتضى الأمر ورأت الدولة المصرية أنه في مصلحة مصر.
ومن الجدير بالذكر هنا أن وضع مصر السياسي والأمني والاقتصادي حالياً يجعلها في وضع أفضل من أثيوبيا حيث أن الدول الغربية تحتاج في الفترة القادمة للتعاون مع مصر في مجال مقاومة الإرهاب وفي منع الهجرة غير الشرعية لأوروبا وفي مجال الطاقة من البحر االمتوسط.
ويأتي رجوع السودان وقبولها مرة أخرى في المجتمع الدولي ليضيف بعداً آخر وهاماً لهذه القضية حيث أن الاستثمارات الغربية في السودان ستكون بدرجة من الثقل قد تجعل الكثير من المستثمرين الدوليين داعمين لموقف السودان في أمر سد النهضة حيث أن إنهيار السد يعني ببساطة تدمير معظم إتثماراتهم في المنطقة.
يكفي أن نعرف أن الولايات المتحدة تدخلت لدى البنك الدولي مؤخراً وأقرضته مليار دولار لسداد جزء كبير من الديون السودانية حتى تحفز الاستثمارات فيها بعد حذف اسمها من الدول الداعمة للإرهاب.
ويأتي السيناريو الثالث هنا وهو أخذ الأمر للمحاكم الدولية ولمجلس الأمن لمنع الملء حتى يتم الحسم في الأمر دولياً – وهذا أحد الاحتمالات الممكنة.
أما السيناريو الأخير لهذا الصراع فهو اضطرار مصر للتدخل العسكري لمنع عملية الملء الثاني والتي قد تتسبب في دمار لايمكن إصلاحه. ومن المعروف أن التفوق المصري في المجال العسكري على أثيوبيا يجعلها قادرة علي التدخل لحسم الأمر لصالحها. فمصر في عام 2021 هي الدولة الثالثة عشر في العالم من حيث القدرات العسكرية ولديها خبرات مخابراتية وحربية ذات ثقل في المنطقة وهي في ذلك تتفوق بدرجة عالية على أثيوبيا والتي تحتل حالياً المركز الـ60 على مستوى العالم في القوة العسكرية.
ومن قراءة هذه السيناريوهات المحتملة لمشكلة “سد النهضة” فإن الأمر على الأرجح سينتهي لصالح مصر والسودان بطريقة أو بأخرى!
د. توفيق حميد
قناة الحرة