مقالات متنوعة

البروفيسور عارف عوض الركابي يكتب: حتى لا تستمر «الفوضى» في التعامل مع «اللقطاء»..

كثرت في بلادنا وفي غيرها في هذا الزمان أعداد اللقطاء «مجهولي الأبوين»، فقد ضاقت بهم دار المايقوما، وضاقت بهم دور أخرى ببعض الولايات، وفي بعض الأحيان يتم قتل تلك الأنفس ورميها في الحفر والآبار، أو دفنها أو غير ذلك في أعمال إجرامية جنائية يشترك فيها كثيرون!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما سألت زينب بنت جحش رضي الله عنها النبيَّ عليه الصلاة والسلام فَقالت: «يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ عليه الصلاة والسلام: «نَعَمْ ،إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» رواه البخاري ومسلم، وجاء في تفسير «الخبث» الوارد في الحديث والذي هو من أسباب الهلاك العام الذي يشمل «الصّالح» و«الطّالح» جاء في تفسيره عند القرطبي وغيره أنه «أولاد الزنا».
وإذا أُدخِل اللقيط دار الأيتام كان لا بد من رعاية جملة من الأمور والأحكام، وما ينبّه له في هذا الباب كثير جداً؛ لكنّي أشير لأهم وأبرز ما يذكر في هذا الصدد فمن ذلك:
إنّ حياة اللقيط داخل الدار يجب أن تخضع لنوع رعاية خاص، «مادي، ومعنوي» ويشكر الكثيرون والكثيرات من أبناء هذا المجتمع ممن يسهمون في غذاء اللقطاء وفي دوائهم وعلاجهم وشرابهم وغير ذلك من تهيئة البيئة المناسبة التي يعيشون فيها، كما يشكر القائمون على دور اللقطاء، وإن كان هذا الجانب بحاجة إلى تنسيق أفضل للإفادة من تعاطف الكثيرين مع هذه الشريحة لتغطية كل جوانب احتياجاتهم، وأتمنى أن نرى ضبطاً أفضل ونسمع بإدارة وتسويق أكمل يسوَّق به احتياجات هذه الدور، لتصبح ديار هؤلاء أفضل من ديار الأطفال الذين يعيشون مع آبائهم وأمهاتهم.
ومن الأمور المهمة في هذه المرحلة العناية باختيار الأسماء سواء اسم اللقيط أو الاسم الذي يعقب اسمه ليكتمل الاسم «رباعياً»، فأرى ضرورة أن يختار الاسم رباعياً وتحرّر به شهادة ميلاد، وهذا مهم جداً وذلك لإلزام بعض الأسر التي تتكفل برعاية بعض اللقطاء وتسكنهم معها في بيوتها، فإن من المخالفات الشرعية الكبرى أن بعض الأسر يعطي اللقيط اسمه!! فيقولون فلان أو فلانة ابن أو بنت فلان!!
وهذا محرّم شرعاً كما في أمر التبني الذي وردت بإبطاله آيات محكمات تتلى في سورة الأحزاب، كما وردت أحاديث فيها وعيد عظيم منها قوله صلى الله عليه وسلم: «من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام» رواه البخاري ومسلم.
والأسوأ من ذلك أن يتم التعامل مع اللقيط الذكر أو الأنثى وكأنه الابن أو البنت من النسب من جهة اعتباره محرماً، واختلاطه وخلوته بمن يحرم عليه خلوته بهن أو العكس إن كان اللقيط أنثى، أو توريثه أو غير ذلك، وبعض التصرفات في هذا الجانب بمنأى لدى كثير من الأسر التي تتكفّل برعاية لقطاء بمنأى من النظر الشرعي والاحتكام للتوجيهات الربانية التي جاءت للمصالح الشرعية للفرد والمجتمع.
وبمناسبة ذكر كفالة بعض الأسر لبعض اللقطاء أنبه لقضية مهمة وخطيرة جداً وهي: ما هي الشروط التي تشترط في الأسر التي تعطى من اللقطاء من ترغب أن تكفله ويعيش معها؟! فإنه ليس لكل أسرة طلبت لقيطاً لتكفله يتحقق لها ما تريد وتتم تلبية طلبها، وفي الفقه الإسلامي بيان دقيق لصفات من يقوم بكفالة اللقيط ومن يضمه إلى كنفه، وفي الأنظمة المعمول بها في كثير من الدول الإسلامية مواد ولوائح منظِّمة لهذه القضية الحساسة الخطيرة، لا يتساهل في تطبيقها لضمان القيام بحق اللقيط، والمحافظة عليه، وعدم تعريضه للخطر أو تضييعه في دينه أو نفسه أو عقله أو غير ذلك.
ما أكثر اللقطاء الذين وظفتهم عصابات تتاجر بالبشر لترويج المخدرات في المحيط القريب والبعيد!!
وما أكثر اللقطاء الذين بيعت أعضاؤهم للحصول على المال ولو كان الثمن بخساً!!
وكم من اللقيطات من وظِّفت في «الدّعارة» ليكسب من يكفلها من وراء ذلك!!
وكم من لقيط كفلته أسرة طيبة لكنها أساءت له من حيث لا تشعر أو عرضته لضياع بسبب عدم قدرتها وكفايتها على القيام بواجباته!!
في بعض الدول يبقى طلب كفالة اللقيط وإيوائه الذي تتقدّم به بعض الأسر عدة سنوات!! ليخضع الطلب للدراسات الدقيقة والمتأنية التي يشارك فيها جهات أمنية متخصّصة من وزارة الداخلية وجهات مجتمعية وعدليّة وطبيّة وتعليمية وغير ذلك، حتى يثبت باليقين الذي ليس معه أدنى شك استحقاق تلك الأسرة لتلك الكفالة، وحتى بعد إعطائها له فإنه تتم المتابعة الدورية الدقيقة للاطمئنان على سير أمور اللقيط داخل الأسرة على أفضل حال، وهذا من أهم الواجبات تجاه هذا «الإنسان» «المخلوق» البريء الذي لم يكن له ذنب في وجوده وحياته بهذا الواقع الأليم.
إن العدالة والرشد والغنى من أهم الشروط التي اشترطها أهل الفقه لمن يأخذ اللقيط ليعيش معه ويكفله، ومعها شرط «الإسلام» في الأسرة التي تكفل اللقيط، واشتراط «الإسلام» في مثل مجتمعنا من الشروط المهمة جداً، وعليه: فلا يجوز إعطاء اللقيط لأسرة نصرانية أو يهودية أو وثنية في بلد مثل بلدنا طالما أنّ الغالبية في البلاد من المسلمين.
هذه وغيرها موضوعات مهمة بحاجة إلى نشرها عبر نطاق أوسع في وسائل النشر لأهمية التوعية بها، ويبقى الواجب الآكد والأهم أن تجتهد كل أسرة في بذل أسباب المحافظة على أبنائها وبناتها ومتابعتهم وحسن توجيههم ومداومة تفقّدهم، ولتدَع بعض الأسر الثقة الزائدة التي تكون أحياناً في غير موضعها وتتسبّب في ضياعهم لما تركوا الحبل على الغارب.
أسأل الله أن يحفظ أعراض المسلمين وأن ينتقم ممن يريد انتهاكها والتعدي عليها وأن يهيئ لمفقودي السند أمراً رشداً.

صحيفة الانتباهة