حيدر معتصم يكتب: اثر السلوك الإجتماعي على الأداء السياسي (2)
حوارات حول الأفكار…
اثر السلوك الإجتماعي على الأداء السياسي (2)
العالم الذي نعيش فيه الآن أصبح متوحشاً جداً و إنتهازيا لأبعد الحدود، أو كما قال صديقي الأجنبي و زميلي في الدراسة لدرجة أصبح فيها الرجل الطيب و الشهم عبيطاً و أصبحنا نوصف بالعبط و السذاجة و الحماقة بسبب عدم قبولنا للظلم و عرضة للإستدراج و الإبتزاز بسبب طيبتنا الزائدة و صفات أخرى و قيم نتميز بها بين الناس أصبحت بالنسبة لنا مصدراً للمتاعب.. إذن ما الحل..؟ و هل التخلي عن تلك القيم هو الحل..؟ في ظني أن الأمر يحتاج لدراسات عميقة و متأنية تشترك فيها فرق متخصصة من باحثين إجتماعيين و تربويين و نفسيين و غيرهم تحت إشراف الدولة للحفاظ على تلك القيم و تكريسها في المجتمع و العمل على تنميةو إكتساب قيم أخرى مساندة لها تعمل على حفظ التوازن النفسي و الثبات الإنفعالي لدى الفرد السوداني و بذلك نكون قد حافظنا على قيمنا و عززناها بكثير من الصفات الجيدة و المطلوبة الأخرى و حصَّنا أنفسنا ضد الإستدراج و الإبتزاز على المستوى الجمعي و نأينا بأنفسنا من صفة الحماقة على المستوى الداخلي و الخارجي و عالجنا مجتمعنا من كثير من التعقيدات الناتجة عن تلك الصفات.
شهد العالم في تاريخه الحديث حروبا كثيرة بدوافع الأطماع الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية والجغرافية والأمنية و تطورت الحرب كثيراً عبر القرون و أصبحت أكثر إعتماداً على قوة العقل و الفكر من إعتمادها على القوة المادية العسكرية و وصلنا في عصرنا الحديث إلى مستوى دراسة طبائع الشعوب و معرفة نقاط ضعفها و قوتها قبل غزوها و توظيف تلك النقاط توظيفا مصلحيا يحدث فارقاً و يقلل بقدر الإمكان الخسائر البشرية و المادية و قد تصل تلك الخسائر في عصرنا الحديث إلى الصفر و تحقق الدول الإستعمارية أهدافها دون إطلاق طلقة واحدة و أصبحت الحرب تغييراً جماعيا كاملاً لطبائع الشعوب و توظيف سلوكياتها الإيجابية و السلبية في إختراقها و تطويعها و تركيعها سياسيا و إقتصاديا و ثقافيا و إجتماعيا و على هذا المنوال تم تقسيم شعوب العالم إلى فئات و درجات وما بين قدرة تلك الشعوب على الصمود و مقاومة أساليب الإستعمار في إختراقها و بين قابليتها للإستعمار من جهة و قابليتها للإستدراج من جهة أخرى درجات و تصنيفات تختلف من شعب إلى شعب و قد عرف السودان في دوائر المستعمرين بحساسيته و عدم قابليته للإذعان للإستعمار عن طريق القوة المباشرة و على العكس تماما بقابليته الشديدة للإستدراج بناءً على إستغلال بعض الصفات الجيدة و وقائع تاريخنا الحديث السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي تثبت صحة تلك النظرية .
النظر بإمعان يوضح جليا بأن تاريخنا السياسي الحديث ظل أسيراً بين مطرقة الطيبة الزائدة الدافعة بنا بقوة تجاه صفة مقابلة المعروف بالمعروف للإبتزاز والإستدراج و سندان عدم قبول الضيم أو الظلم الجانح بنا تجاه غلبة الحماس العاطفي المؤدي للوقوع في حبائل الإستدراج و التنازل للآخرين طواعية و بكل طيب خاطر عن مالم يستطعوا أخذه منا بالقوة، ولذلك فإن عدم القابلية للإستعمار بالقوة العسكرية و القابلية الشديدة للوقوع في حبائل الإستدراج هما الصفتان اللتان شكلتا تاريخنا و واقعنا السياسي الذي نعيشه الآن و لتوضيح الصورة بشكل أكبر فمن البديهيات أن الذي لا يقبل الضيم لا يقبل الإستعمار و يكون دائما على إستعداد للتضحية بالنفس والنفيس من أجل مقاومة الإحتلال الأجنبي و تبعاً لذلك فإن الطيبة الزائدة قد تكون طريقا سالكا نحو الإستدراج و سنحاول من خلال مقالات قادمة تقديم مقاربات جديدة على الفكر السياسي السوداني توضح بصورة أو بأخرى أثر السلوك الإجتماعي للشعب السوداني و إنعكاسه على الأداء السياسي و مدى تأثير ذلك تاريخيا على تعقيد الواقع الماثل و صناعة ما نعيشه من فشل و سنلقي الضوء بإذن الله على تأثير قيم الطيبة و عدم قبول الظلم و كثير من القيم الإجتماعية الأخرى السالبة و الموجبة على تاريخنا السياسي فيما يتعلق بعدم القابلية للإستعمار و القابلية الشديدة للإستدراج … نواصل.
صحيفة الانتباهة