مقالات متنوعة

أسماء جمعة تتحدث عن قصة رعب امدرمان وتكتب قتل البنات ظاهرة تنتظر حسم الدولة

قصة الرعب الخيالية التي حدثت في أم درمان حي صالحة للطفلة سماح التي قتلت تحت تعذيب فاق ما يحكى عنه في بيوت الأشباح على يد والدها لهو أمر غريب لا يجب أن يمر على الدولة مثل أي حادثة ترتكب عمدا أو خطأ، فالجريمة ليست غريبة على المجتمع السوداني فقط بل غريبة على الإنسانية كلها، ولو أن قتل البنات ظاهرة منتشرة في السودان منذ زمن طويل وحتى الآن.
الطفلة المسكينة قتلها والدها دهسا بالسيارة والأرجل ثم رميا بالرصاص 4 مرات ولا ادري أي غل هذا الذي كان يحمله لصغيرته؟ المؤسف أنها لم ترتكب تلك الأخطاء التي يقال عليها عار وتوطىء الرؤوس، بل لم ترتكب خطأ أصلا هي فقط طلبت منه ببراءة نقلها إلى مدرسة خاصة لتكون مع صديقاتها، ومارست عليه نفس الضغوط التي يمارسها أي طفل لأجل إجبار والده على الاستجابة ولم تتوقع كل هذا، وأظنها لا تعرف والدها جيدا وليس بينهما تواصل من أي نوع .
حقيقة لا أدري دوافع الرجل لقتل طفلته هل هو أصلا يكرهها لسبب لا نعرفه وكان ينتظر سببا للتخلص منها، أم هو معروف بقسوة قلبه ومتعود على تعنيف البنات وسبق له أن فعلها أم هناك سبب آخر، فكونها خرجت من المنزل لتوصيل كتب لصديقتها وأصرت على المدرسة الخاصة هذا ليس سببا لقتلها بهذه الطريقة البشعة، وفي الحقيقة والد سماح نموذج لكثير من الآباء الذين قتلوا بناتهم وعاشوا حياتهم عادياً .
اليوم الذي انتشر فيه خبر قتل الطفلة سماح في وسائل التواصل بقدر ما أصيب الناس بالدهشة والاستغراب والحيرة بقدر ما فتح الحادث الباب أمام البعض ليحكوا عن حوادث قتل أخرى لفتيات وإن اختلفت الطريقة ولكنها حملت نفس ملامح البشاعة والقسوة، حكى أحدهم أنه قبل أكثر من ثلاثين سنة وهو طفل صغير شاهد عمه يقتل ابنته التي كانت في الصف السادس بإشعال النار عليها داخل الغرفة والسبب هو أنها رفضت الزواج ممن يريد هو وتحدته وقد تستر عليه أعمامها بتأويل الحادثة وانتهى الأمر بدفنها وموت السر.
أخرى حكت أن زميلتهم بالمدرسة قبل خمس سنوات زوّجها والدها قسرا لمن يريد باعتبارها طفلة ليربيها الزوج بطريقته، ولم يكن الوالد يعلم عنها شيئا سواء أنها ابنته وبعد ثلاثة أشهر عاد الزوج ليقول لوالد الطفلة لقد خدعتني ابنتك ليست طفلة فقد طلعت حامل فما كان من الأب إلا أن هاجم ابنته واتهمها بأنها (وطت راسه)، لم يمنحها فرصة لتخبره بأنه لا يعرف عنها شيئا فما كان منه إلا أن ذبحها ودفنها مع بقية رجال الأسرة الذين تستروا على الأمر، لتظهر براءتها من ونسة صديقاتها.
وحقيقة سمعت عدة مرات وفي مدن مختلفة من السودان حكايات عن أسر لديهم بنات اختفين وتشير الأقاويل إلى أنهن قتلن ودفن ولم يعد أحد يتذكرهن إلا حينما تأتي مناسبة قتل أخرى، وفي كل مدن السودان وقراها يشير الناس إلى أن هذه الأسرة أو تلك قتلت ابنتها ولم يسألهم أحد .
أول أمس كانت هناك حادثة في منطقة طوال بجنوب دارفور قام شقيق بقتل شقيقته في الثانوي لأن هناك من نقل له عنها كلاما لا يعجبه. هكذا ببساطة حتى دون أن يتبين، وبالمناسبة بعضهن يقتلن أنفسهن قبل أن يُقتلن بسبب الضغوط لذلك ترتفع نسبة الانتحار بين البنات والنساء عموما، والحكاية ستستمر ما دام هناك قانون لا يأخذ مجراه وجهل متفش وثقافة منتشرة تقلل من قيمة البنات وتحرم النقاش والحوار معهن، وما دام المجتمع مفصول عن الدولة .
أعتقد أنه حان الوقت لتفتح الدولة ملف قتل البنات في السودان، وهي ظاهرة موجودة ولكن مسكوت عنها لدرجة أن مسؤولي الشرطة يمكن أن يتستروا على القتلة وليس أدل على ذلك أكثر مما فعله مدير شرطة ولاية الخرطوم الذي خرج ينكر أن سماح قتلت، ولا أشك أن أي قتيلة وصل خبرها إلى مسامع أحد منتسبي الشرطة ولكنهم تغاضوا عن الأمر لأسباب مختلفة خاصة الأقرباء.
عموما نسبة مقدرة من الأسر السودانية ما زالت تعيش في الجاهلية الأولى ولديها مشكلة مع البنات وتراهن كما كان الناس في الجاهلية، بالرغم من أن الإسلام سعى إلى معالجة المشكلة بتعاليمه ووصايا الرسول وآيات الله، ولكن ما زال الجهل يعمي الكثيرين وهنا يأتي دور الدولة، لذلك يجب على الحكومة الحالية تبني موقف واضح من هذه الظاهرة بتبني سياسات قوية تحاسب وتعاقب وتعالج وتوعي وتمنع وتتدخل في الوقت المناسب .

صحيفة السوداني