الامام عبد الرحمن المهدي اشترى العربة الفارهة كأول سوداني يمتطي سيارة
أيام العباسية
كانت حياة الصادق وأخوانه وهم صغار موزعة بين الاصطبل لولعهم بالخيل، والذهاب للخلوة، ثم بعد ذلك المدرسة. وكانت إقامته موزعة بين العباسية بأم درمان وبين الجزيرة أبا.
وكثيراً ما يحكي حول حياتهم في العباسية حيث كانوا يعيشون حياة عادية وليست كما يصوّر كثيرون من أنه ولد وبفمه ملعقة ذهب. فجده الإمام عبد الرحمن عانى من الجوع والحرمان بشكل رهيب، وحينما تم استقراره وبقية أسرة المهدي في أم درمان لم يكن الراتب الموقف لإعالتهم يكفي لسد الرمق، فقام بأعماله الزراعية على النحو الذي وصفه في مذكراته ولكنها كانت تدر دخلاً بالكاد يكفي لإعالة أسرته الكبيرة وأسر الأنصار معه ومقابلة العمل الدعوي والتنظيمي الذي يقومون به.
في هذه الحالة من سكنى في بيوت عادية والعيش بمظهر عادي نشأ الصادق، حيث يعلق على البيئة التي عاش فيها ودور جده الإمام عبد الرحمن فيقول: (نحن ولدنا في هذه البيئة، ومع مولدنا في هذه البيئة. الإمام عبد الرحمن استطاع أن يجعل أسرتنا أسرة عادية من بين الأسر السودانية. ونشأت أنا كطفل في هذه البيئة الجديدة، ودون طبعاً أن ننقطع تماماً عن تراث التاريخ. وتراث التاريخ كان يغذينا بقصص البطولات والمواقف المختلفة في المهدية، ولكن كان واقعنا فيه تعايش مع الحضارة الوافدة).
الشاهد، فقد حدثت نقلة في حالة الأسرة المالية لاحقاً وبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) حيث قفزت أسعار القطن الذي تزرعه مزارع الإمام عبد الرحمن المهدي إضافة لاستعانة الحكومة بالوقود من الأخشاب التي أمدتها أراضيه في الجزيرة أبا، وبدأ التحول في حياة الإمام عبد الرحمن وأسرته في النصف الثاني من أربعينات القرن العشرين، حيث اتخذ سرايا أم درمان والخرطوم، واشترى العربة الفارهة كأول سوداني يمتطي سيارة. وفي 1951م تحولت أسرة الصادق الصغيرة للسكنى في منزلهم الحالي بالملازمين.
كان الصادق في صباه الباكر يقضي وأخوانه سحابة نهارهم في الشارع يلعبون مع رفقاء الحي، ومنهم المرحوم صديق نمر، والعديد من أفراد أسرة المهدي وغيرهم ممن يجاورونهم بالحي، وكان من المعتاد للأطفال أن يتكسبوا من بيع أغراضهم لبعضهم الآخر، كالعنكوليب وهو نوع من قصب السكر رقيق الساق هشه، والكدندار وهو نوع من الحشرات الطائرة ملون بألوان زاهية، والجراد الصحراوي الضخم الذي كان يهبط على البلاد موسمياً فيصطاده الصغار ويشوونه ويأكلونه وربما تاجروا فيه فباعه بعضهم للآخرين، وغير ذلك. وكان الصادق كما روى في طفولته يتكسب من “طبلية” يبيع فيها مثل تلك الأغراض ليخرج منها مصروف جيبه. وكان وأنداده الصغار يفكرون في كيفية در دخل لهم في رابطة الأسرة فيخرجون تمثيليات يكون دخولها بتذاكر لذويهم ومعارف الأسرة.
ولا بد أن ذلك كان قبل عام 1945م نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ في حوالي ذلك التاريخ وما بعده حدثت الطفرة في وضع الأسرة الاقتصادي، وتغير فيها مستوى لبسهم ثم سكناهم.
وفي أيام الطفولة تلك روى أنه وبقية صبية الحي كانوا يشكلون ضبطاً للطريق، فلا يسمحون لسكران أن يمر، ولا لشاب وشابة غير متزوجين، وكافة أشكال الرذيلة برأيهم، وروى عن حادثة تدخل فيها أولئك الصغار لاستنكار حدث في الحي ما كان يمكنهم المجاهرة بمعارضته، قال: كانت تسكن إلى جوارنا مدّرسة جميلة وتزوجها رجل دميم، وكان هذا الحدث محل استنكار أهل الحي، لذلك اجتمع بعضهم وكتبوا على أوراق كثيرة: (إن الزهور فرائس الحشرات) ونثروا هذه الأوراق في منزل الزوجين الجديدين!!
من كتابي/ الإمام الصادق المهدي سيرة ومسيرة، الجزء الأول، بينج ماريال
—–
رباح الصادق