محمد أحمد الكباشي يكتب: موجة عطش بالولايات
موجة عطش بالولايات
لا ادري ان كانت الحكومة الانتقالية لديها تسلسل رقمي ودفتر خاص بقوائم الأزمات الطاحنة، وان لم يكن لديها مثل هذا الاهتمام فاقترح ان يتم تعيين مسؤول متخصص مهمته فقط حصر الأزمات، فما احوجنا لمجرد الاعتراف بوجود خلل كبير نتيجة لفشل الحكومة نفسها في إدارة الازمات ناهيك ان تسعي
لحلها.
والفشل هنا لا يحتاج إلى جهد كبير لاكتشافه، وبالتالي تعرية المسؤول عنه امام المواطنين والتأكيد على انه فاشل ولم ولن يستطيع تقديم ادنى مطلوبات الحل طالما أنه جاء محمولاً على أكف المحاصصة ولا يحمل من الكفاءة غير الضجيج (تماماً كما البراميل الفارغة تحدث صوتاً هائلاً عند طرقها).
ومع شروق شمس كل يوم تظهر صفوف جديدة امتداداً لصفوف الخبز الممتدة زمناً ومساحةً، إلى جانب صفوف الوقود المحترقة بسبب التهريب والبلطجية، وكذا الحال في صفوف غاز الطبخ، واخيراً انضمت الى القائمة صفوف الحصول على المياه.
وأزمة المياه جعلت قرية باكملها بمحلية ابو كارنكا بولاية شرق دارفور ترحل إلى حيث توفرها حفاظاً على حياتهم وحياة ثروتهم الحيوانية، وهنا يمكن وصف العطش الذي ضرب هذه القرية بعدو غادر يملك سلاح الفتك تسبب في نزوح مئات الاسر، وعجزت حكومة الولاية عن مواجهته، وليست هذه القرية
وحدتها ما تشتكي انعدام المياه، بل ان حاضرة الولاية الضعين تشهد اسوأ حالة انعدام لمياه الشرب، بحسب ما أورده مراسلنا هناك عبد الرحمن عبد الله، ويكشف خلال تقرير واقع مزرٍ للمواطنين، وقد بلغت بهم المعاناة أن يرابطوا الليل بالنهار، حتى ان سعر البرميل تجاوز (1000) جنيه، وباتت ازمة في
المياه بولاية شرق دارفور بجانب ازمة الخبز والوقود ولا حل يلوح في الافق.
ذات الازمة وكالعادة أخذت تطل بصورة مخيفة في حاضرة شمال كردفان الابيض، ومشهد الصفوف امام محطات المياه ينذر بكارثة عطش تهدد حياة آلاف المواطنين، وان كان هذا الحال ماثلاً بعاصمة الولاية فما بالك ببقية المحليات مترامية الاطراف. ونخص بالذكر هنا منطقة (الهيماوي) غربي بارا، فقد بلغ
شح المياه فيها مبلغاً، حيث صار استخدامه الا في حالة الضرورة القصوى (يعني الاستحمام في حد ذاته يعتبر تبذيراً للمياه).
وليست ولاية شمال كردفان هي ما تقف عندها ازمة المياه، ومن عجب أن تشهد ولاية النيل الابيض ازمة مشابهة وتعاني محلياتها من شح الخدمة، بينما حذر المدير التنفيذي لمحلية شمال الدلتا بكسلا من خطورة الوضع بشأن شح المياه التي يتم استجلابها من محلية كسلا عبر تناكر محدودة في مواجهة ازمة
حادة تنتظر رحمة السماء لتأتي بمياه القاش.
هذه نماذج محدودة ذكرناها على سبيل المثال، وربما تكون الازمة اكثر تعقيداً في ولايات دارفور والنيل الأزرق والجزيرة وحتي الخرطوم بصفوفها المتراصة.
ونقول ان من المفارقات أن المياه ظلت تشكل هاجساً كبيراً، فعندما يأتي الفيضان تتسبب المياه في خسائر فادحة تطول الممتلكات والمنازل وتحصد عدداً من الأرواح، بينما يشكل انعدامها هاجساً مرعباً في فصل الصيف.. فما المخرج من هذه وتلك؟ فلا حلول تلوح في الأفق، اللهم الا معالجات تخديرية سرعان
ما تنتهي بانتهاء الأثر، وهكذا هي الأزمات تأبى مفارقتنا.
صحيفة الانتباهة