سنة أولى حقوق
سنة أولى حقوق حكيت هذه القصة من قبل ..لكني وجدتها مناسبة أيضاً لمقال هذا اليوم ..بلدياتنا كان تم قبوله في كلية الحقوق جامعة القاهرة فرع الخرطوم ..ما ان تأكد من نتيجة القبول ..الا وأخرج (بدلة قيافة) …انتظر بها المساء ليرتديها وذهب لنادي القضاة ..دخل بكل ثقة والقى التحية مبادراً ..(زميلكم فلان الفلاني) ..السادة القضاة أكرموه غاية الكرم ..ومن ثم تجاذبوا معه أطراف الحديث ..لاحظوا انه لا يفقه شيئاً في القانون ولا توابعه ..حينها سأله أحدهم ..في أي جهة هو يعمل ؟ فقال لهم انه تم قبوله في سنة أولى حقوق صباح اليوم ..لا داعي لذكر التفاصيل التي حدثت بعد ذلك ..لكنه صار مثلاً وعبرة لكل من جاء بعده. تذكرت القصة أعلاه وأنا أقرأ اتفاق البرهان والحلو على فصل الدين من الدولة ..فقلت في نفسي ..(نحن لسه في سنة أولى حقوق وما شين نقعد مع الدول التي تخرجت وامتحنت المعادلة ونجحت) ..أنا كمواطنة سودانية عادية ..لو سألتني ما الذي تريدينه من الحكومة الحالية ؟..هل تعتقد ان ردي سيكون هو فصل الدين عن الدولة ؟ دعك مني ..و من الشمال الذي يموت صغاره بلدغات العقارب ..وأغلب قراه لم تصلها خدمات الكهرباء ..اسألوا اهل جبال النوبة ..جنوب كردفان ..اعماق دارفور ..ناس مرافيت وطوكر ..جبال الانقسنا ..ما الذي يريدونه من التغيير ؟ الرد جاهز ..حياة كريمة ..صحة وتعليم وغذاء ..ومساكن تقينا شر البرد والحر.. نحن في بلاد عاصمتها (محل الطيارة بتقوم والرئيس بنوم ) ..هذه العاصمة لا يوجد بها نظام صرف صحي ..والآلاف يعيشون في العراء ويقضون حاجتهم على قارعة الطريق ..المياه تقطع من أغلب الأحياء ..أما الكهرباء فقد صارت أثراً من بعد عين ..والغاز صار حلماً بعيد المنال ..هذه هي العاصمة ..اما الولايات فهي قصة أخرى ..قل لي ما هي الفائدة المرجوة من اتفاق يقر فصل الدين عن الدولة ؟ …بل ما هي الفائدة المرجوة من الاصرار على نشره في وقت يبحث الناس عن أبسط حقوقهم كبشر؟ ما هي الجدوى ؟ الشئ المؤسف انه حتى نشر الاتفاق ..لا يتبعه تفسير وتوصيل للمعلومة للمواطنين العاديين ..عبارة (فصل الدين عن الدولة ) عبارة مفخخة توحي للمواطن البسيط بأن المساجد سيتم اغلاقها وان القيم والاخلاق ستنهار بحماية الدولة ..وهذا مخالف للمعنى الحقيقي ..والصحيح ان يحدث تبسيط للمعنى وتبشير بمفهوم ان الدولة تكفل حرية الاعتقاد ولن يحدث تمييز على أساس الدين ..ستكون المواطنة هي الفيصل .. نضرب مثلا بدولة مثل انجلترا ..على رأسها الملكة التي تعد رئيسة الكنيسة ..لكن عمدة لندن مسلم ..والمسلمون يمارسون كافة شعائرهم الدينية في حدود ما يسمح به قانون البلاد ..واذكر انني تابعت قضية شابة بريطانية تعمل بالشرطة ..أسلمت وارادت تغطية شعرها تحت القبعة ..منعها رئيسها لأن ذلك مخالف لقانون الشرطة ..فما كان منها الا ان أقامت دعوى على شرطة لندن وكسبتها ..وصارت أول امرأة محجبة في شرطة انجلترا ..صدق او لا تصدق ان بريطانيا دولة علمانية ..تفصل الدين عن الدولة. عود على بدء ..السودان دولة في سنة أولى حقوق ..لا يزال يتلمس الطريق في الدخول لمنظومة الدول العادية ..لا يزال في البدايات ..شعبه يحتاج الى توفير أساسيات الحياة الكريمة رغم غنى بلاده وضخامة مواردها ..هذا هو المهم ..اذا تم ذلك ..لا جناح عليكم البسوا البدلة واذهبوا لنادي القضاة. ***********
ناهد قرناص – صحيفة الجريدة