مقالات متنوعة

الجنينة تنزف (تااااني)!!


ما يجري في دارفور وخاصة تلك الاحداث المأساوية التي ظلت تتجدد في حاضرة ولاية غرب في دارفور الجنينة تؤكد أن الأزمة أزمة هوية قومية قادت إلى فقدان البوصلة وأدخلت الجميع في محنة، فالنظام البائد هو الذي ترك هذه التركة الثقيلة بسحله للقبائل وتقسيمهم إلى قبائل موالية وأخرى متمردة، فأصبحت القبلية هي الأساس وليس الأرض أو الانتماء وأصبحت قوة القبلية تقاس بحجم ميليشياتها وقربها من الحكومة ومدى تسليحها الأمر الذي قاد إلى التنافس بين أبناء العمومة والدخول في حروب أهلية يستخدم فيها سلاح وعتاد الحكومة.
إن ما حدث في الجنينة بات يفوق كل خيال ويفتقر لأي منطق سياسي أو عسكري أو حتى قبلي، لأنه ضرب بجميع الأعراف القبلية المحلية عرض الحائط وأصبح السلاح هو الحاسم في أي أمر قبلي ولا مكان للأعراف أو التقاليد التي كانت متبعة منذ عهد قانون دالي الشهير الذي نظم الحواكير والديار والمراعي والمزارعي ، فالوالي من جهة يتهم فلول النظام البائد بتحريك الاحداث وتارة أخرى يتحدث عن مليشيات قادمة من النيجر وتشاد وهكذا تستمر الملهاة ليتحول الوضع إلى فوضى خلاقة لا تهدد السلام الهش فحسب وإنما تهدد وجود المكون القبلي بدارفور بعدما فعلت الحروب والاستقطابات والتحولات فعلتها بالجميع وحصرتهم في موقعين أما نازح مشرد اعزل أو متحالف مع بقايا مليشيات الانقاذ ومدعوم بالمال والسلاح .
حكى لي أحد الزملاء كان ضمن الوفد الحكومي الذي زار الجنينة بعد الاحداث الاولى أن المفارقة واضحة قياسا بالضحايا والأرض المحروقة فالمتضررين أكثر كانوا لا يحتاجون لسبر أغوار لاكتشافهم فأثار الضرر واضحة في بيوتهم كوضوح الشمس في رابعة النهار.
من المؤكد أن سلام جوبا لن يتم ولن يتحقق في ظل هذه الأوضاع، فالأزمة تحولت إلى صراع قبلي ذا طابع سياسي، وإذا لم تدرك اطراف العملية السلمية أن تأخر انفاذ مصفوفة الاتفاقية يعني السماح بتواصل المسلسل الدامي ستفوت عليها الفرصة وتتواصل الصراعات دون التوصل الى حل بشأنها.
توزيع الاتهامات لن يجدي ولن يؤسس إلى حل ، فالذين لديهم الامكانيات والآليات العسكرية معروفون وإذا كان هناك من يساندهم ويجد الحدود مفتوحة ويفعل هذه الفعائل الشنيعة ويرجع الى دياره آمناً فهذه الثغرة مسؤول عنها المكون العسكري والاجهزة الأمنية فلماذا لم يتم التعامل مع هذه المليشيات المعتدية قبل أن تلدغ الجنينة من ذات الجحر أكثر من مرة.
السؤال الذي يرفع عقيرته وبشدة كل مرة من المستفيد ؟ ولماذا كل مرة يتمكن من تزكية الصراع وإلهابه دون أن تستطيع الحكومة الوصول للجناة ، وحتى الذين تم القبض عليهم يحاولون أكثر من مرة الهرب من داخل السجن ، من الواضح أن هناك كثير من الاشياء تجري تحت الجسر والشفافية مغيبة ، ومجرد الزيارات التفقدية لا تكفي ، فالقصة وما فيها أن النظام البائد صنع تحولاً في التركيبة السكانية وفرض ذلك بالقوة والآن عندما حاولت حكومة الثورة تحقيق العدالة وانقلبت الموازين ما عاد ذلك محتملاً.

أشرف عبد العزيز.. صحيفة الجريدة