مرتضى الغالي يكتب المعاني من طبيعة الأواني..!!
كل الحديث الذي يدور الآن بين الفلول وتوابعهم من (جماعة الجهل النشط) عن اتفاقية السلام والهرج الذي يثيرونه حول العلمانية هو حديث لا يخرج عن دائرة الجهل والغرض.. وكلاهما من (حقوق الملكية الفكرية) للإنقاذ التي لا ينازعها عليها منازع.. ومعها آخرون ينتفعون بـ(الحقوق المجاورة)..! ولا ندري ما علاقة هذا الهرج بمواقف اتفقت عليها كل مكوّنات الوطن السياسية الراشدة؛ وهو إقرار في غاية البساط يقول: لا مزيّة لمواطن على آخر بسبب معتقده المذهبي والفكري والديني والثقافي أو بسبب لونه ومسقط رأسه وعشيرته.. والإنقاذيون أنفسهم أقروا ذلك ووافقوا عليه لتمديد سلطتهم.. وهذا الإعلان الأخير هو من مطالب الشعب والثورة بأن تكون الدولة (محايدة تجاه مواطنيها) وأن تتأسس على الحرية والعدالة والمساواة لا على المعتقد الديني.. ومنع استخدام الدين وتسخيره للأغراض السياسية.. وهذا الإعلان الذي سبقه اتفاق نيفاشا لا يمنع مسلماً من الذهاب إلى المسجد أو مسيحياً من دخول الكنيسة.. ومن هنا تتضح الأغراض السياسية وراء هذا التوافق في الهجوم بين قادة الجهل الذين تستطيع أن تميزهم من خلال الزفير والنهيق..! فهل يمكن أن يكون كل الناس على خطأ وأن الصواب ينفرد به صاحب (منبر الانفصال) ومفتي أسطنبول وبعض السلفيين الذين شاركوا الإنقاذ وبصموا على جرائمها مقابل (وزارة السياحة)؟..!
مع هذا قرأنا في الأسافير محاضرة لغازي صلاح الدين نقلتها قناة طيبة (وبئسها من ناقل لقيط) يقول فيها: من يحمي المتديّنين..؟ ونفهم من ذلك أنه يقصد من يحمي الإنقاذيين من المحاسبة على جرائمهم..؟! ولا نظن أنه يعني الغالبية العظمى من السودانيين المتدينين على اختلاف معتقداتهم.. ولم يسأل أحد هذا الرجل ويقول له: ومن كان يحمي المواطنين في بيوت الأشباح من الجلادين في (دولة شريعة الإنقاذ) والرجل شريك أصيل فيها..؟!! كان عليه أن يسأل نفسه ويسال إخوانه في قيادة الإنقاذ عن سبب توقيعهم على ذات الإقرار بفصل الدين عن الدولة.. ولا شك أنه يعلم ما جرى في التفاوض وما انتهى إليه الحال بتمزيق دعاويهم عن الدولة الدينية عندما وافقوا على أن وجود الزعيم الراحل جون قرنق وبعده سلفاكير على رأس الدولة وفي (مقام الولاية الكبرى)..!!. وكان أولى بصاحب هذا الحديث أن ينظر خلفه ألف مرة قبل يتساءل عن حماية المتديّن.. ولا ندري حمايته من ماذا..؟!
وماذا حدث يا سيدي للمتدينين (حتى بالكذب) من زملائك قادة الإنقاذ وهم الآن في كامل عافيتهم رغم جرائم القتل واللصوصية..؟! ومن كان يحمي السودانيين جميعاً من بطش الإنقاذ عندما كانت تقتل مئات الآلاف بكل بساطة وخلو بال.. وتطرد مئات الآلاف من وظائفهم في سحابة يوم، وتصوّب الرصاص على رؤوس التلاميذ ثم تنثني إلى مخادع الراحة والاستباحة، وكأنها لم تفعل شيئاً.. ولم يسأل أحد غازي وجماعته حينها عن حماية الناس من هذا القتل..! ولا شك أنه شاهد وسمع شهادات ضحايا التعذيب.. وهذا الرجل الذي يتساءل عن حماية المتدينين (بكل موقعه الحركي والسياسي في الإنقاذ) لا بد أن يكون عالماً بما يجري في بيوت الأشباح.. ولولا مراعاة حقوق الإنسان (التي لا يعرفها الإنقاذيون) لطالب الناس بتنصيب شاشة تلفزيون (75 بوصة) في سجن كوبر تعرض طوال 24 ساعة على أصحاب المسيرة القاصدة ما قاموا به من تعذيب في بيوت الأشباح بأيديهم وتنفيذاً لأوامرهم… وليتهم يعترفون بأنهم كانوا يقومون بالتعذيب تنفيذاً لواجب ديني.. فهكذا يكون منطق الشجاعة الأخلاقية..! ولكن أين تجدها عند الإنقاذيين..؟!.. إنهم خائرون كاذبون حتى في تطبيق ما يصيحون به.. وإذا كان هؤلاء المتباكون اليوم يريدون إقامة دولة دينية لماذا لم يسألوا الإنقاذ عن امتناعها عن تطبيق الحدود لمدى ثلاثين عاماً إلى أن أذهب الله ريحها واستأصل شأفتها..؟!!
صحيفة السوداني