مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب: أحداث الجنينة


نترحم أولاً على الذين استشهدوا في أحداث الجنينة الأخيرة، وأن يشفي جرحاهم، وأن يلهم آلهم وذويهم الصبر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

إذا امعنا النظر في الاقتتال الذي دار في أحداث الجنينة نجد أن سببه صراعات قبلية حول المزارع والمراعي، وسببه إصرار كل جهة بأن تأخذ ما تراه حقها، وكذلك إصرار كل جهة بأن ترد على أي هجوم يأتي إليها من جهة أخرى، ومما ساعد على توسيع هذه الصراعات توفر السلاح لدى القبائل، وسهولة الحصول عليه.

مهما يكن من أمر هذه الصراعات بين القبائل إلا أنها ستكون أقل سوءا، وأقل ضررا إن لم تكن الحكومة طرفا فيها.

بمعنى إن لم تكن الحكومة تدعم فصيلا على فصيل، فسوف تكون المساعي في حل هذه الصراعات، وفي إيقاف الدماء أقل تعقيدا، وسوف لن يتوسع، ولن يزداد الصراع.

أما إذا تدخلت الحكومة، ونصرت، ودعمت فصيلا على فصيل، فإن الأزمة ستزداد سوءا، وستتعقد، وكل حل من الحكومة بعد ذلك لن يكون إلا بمثابة صب الزيت على النار.

صراعات القبائل مع بعضها البعض لا ينبغي إطلاقا أن تتدخل فيها الحكومة؛ لتنصر فيها فصيلا على فصيل مهما كانت مميزات هذا التدخل، ومهما كانت مقدرات الحكومة، وقوة الفصيل التي تدعمه.

فالغبن، والإحساس بالظلم الذي يتولد من قبل الفصائل التي وقفت ضدها الحكومة على قلتها، وعلى ضعفها لن تستسلم إطلاقا، وإن هزمت، وإن شردت، وإن أخذ منها السلاح، فستظل تقاوم، وتقاوم، وبالتالي، فبدلا من أن تحل الأزمة ستزداد تعقيدا.

هذا فضلا من أن الفصيل الذي تدعمه الحكومة سيتقوى بها، ويزداد اعتداؤه وظلمه لبقية الفصائل.

أسوأ حل على الإطلاق في حل هذه الأزمات، والأمر الذي يزيد من تفاقمها، ويطيل من عمرها هي حينما تقف الحكومة داعمة فصيلا على فصيل، وذلك بسبب أنه:

* يتقوى الفصيل الذي تدعمه الحكومة، فيزيد من حجم الأزمة.

* يستغل الفصيل الذي تدعمه الحكومة، فيقوم بتضخيم خطر الفصائل الأخرى حتى يكسب دعم، وتأييد الحكومة.

* الفصيل الذي تدعمه الحكومة يكسب قوة، وشرعية بسبب هذا الدعم، فيقوم بتحقيق أطماعه في المنطقة، فيوسع من الاستيلاء، والهجوم على بقية الفصائل.

* كلما ازداد هجوم الفصيل الذي تدعمه الحكومة كلما ازدادت رغبة الفصائل الأخرى في الانتقام من هذا الفصيل، وازداد بحثهم للحصول على أسلحة من جهات أخرى.

* دعم الفصيل من قبل الحكومة لا يكون مصدر خوف، وردع لبقية الفصائل فهم يدركون سبب قوة، ونصرة هذا الفصيل عليهم فلن يستسلموا له، وسيبحثون عن جهات أخرى تدعمهم.

* دعم أي فصيل من الحكومة سينهك الحكومة مع ازدياد الأزمة، ومهما تفاقمت الأزمة، فلن تستطيع أن تتراجع من هذا الدعم بسبب ان الفصيل الذي تدعمه صار قويا، وصار عينها في المنطقة، فإن تراجعت، فسوف ينقلب عليها.

وعليه لا يوجد أسوأ من أن تكون الحكومة طرفا في الصراع، حينما تقف حكومة مع فصيل على حساب الفصائل الأخرى.

تقوم الحكومة بعدة خطوات لإزالة هذه الصراعات بحيث تتعامل معها منذ البداية على انها تمثل طرفا ثالثا في الأزمة يريد ان يحلها، ومن تلك الحلول.

* الاجتماع مع قادة تلك الفصائل، وهم أدرى بحجم الأزمة وأسبابها وعلاجها.

* تجفيف السلاح من جميع الفصائل.

* عدم الميل للحلول المؤقتة أو تلك التي لا يمكن أن تتحقق.

* مراعاة طبيعة المنطقة وتداخل الفصائل المتنازعة في حقوق بعضهم البعض.

* تعويض المتضررين جميعا من قبل الحكومة.

* تفعيل الحلول السلمية، وتنشيط دور زعماء القبائل دون تدخل من الحكومة في تعيينهم.

* معاقبة كل من يخرج على الاتفاقات التي أبرمت بحيث يكون سبب معاقبته، وردعه واضح للجميع.

بهذه الطرق، ونحوها سوف تقل حدة الصراعات في المناطق المتداخلة رعويا، وزراعيا كما سيقل السلاح فيها حينما يكون دور الحكومة يقتصر على دور الوسيط، وعلى دور تثبيت ما تم الاتفاق عليه، وعلى دور تعويض اكثر الفصائل تضررا من الصراع.

اما إذا استغلت الحكومة الصراعات، وأججتها بدعم فصيل على فصيل، فلن تزيد النار إلا اشتعالا، وسوف تكون الحكومة أكثر المتضررين من ذلك.

صحيفة الانتباهة