أحمد يوسف التاي يكتب: للعبرة فقط
يروي لنا التاريخ أن أحد شيوخ بني أمية وحكمائها، سألوه عن الأسباب التي أدت إلى زوال ملكهم فأجاب بشيء من الموضوعية والإيجاز: (إنا شُغِلْنا بلذاتنا عن تفقُّدِ ما كان تفقدُه يُلزمنا، فظلمنا رعيتنا فيئسوا من إنصافنا، وتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فتخلَّوا عنا، وخرُبت ضياعُنا فخَلَتْ بيوتُ أموالنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا ، وأمضوا أمورًا دوننا أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم أعادينا فتضافروا معهم على حربنا، وطلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الأخبار عنا من أَوْكَد أسباب زوال ملكنا”..
وبإلقاء نظرة فاحصة تأخذ في الاعتبار كل الظروف المحيطة بنشأة الدول و(فتونة) الأنظمة في أول عهدها وحتى الشيخوخة وهشاشة العظام، يدرك أن السرد الذي جاء على لسان أحد حكماء بني أمية وهو يشخص أسباب زوال حكم بني أمية، يتفق تمامًا مع مقدمة ابن خلدون في نظريته في تمرحل الدول من الميلاد وحتى الشيخوخة فالموت..
الناظر إلى زوال الحكم في أي أمة من الأمم سيتملكه يقين راسخ أن حكمة الله وسنته في الكون تقتضي أمورًا ثابتة لن ينقضي الحكم والملك إلا بعد أن يستوفيها، فهذه سنة الله في الكون فلا تتبدل ولا تتحول، ( ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً)، فقد تكاملت هذه الظروف وأسباب الهلكة وسقوط الأنظمة والحكم في كل الأمم على مر التاريخ الإنساني، وتشابهت من أمة إلى أمة حد التطابق والتماثل، فأعقبها زوال الملك. وإذا نظرنا إلى أسباب سقوط الحكم في تاريخنا الإسلامي منذ دولة الخلفاء الراشدين وإلى يومنا هذا سنجد أن هذه الأسباب واحدة ويلخصها حديث الشيخ الأموي، ولعل أبرزها انتشار الظلم والفساد والانغماس في الملذات، وغياب العدالة الاجتماعية وبالتالي ضياع هيبة الملك والقانون، ومن حكمة الله أنه إذا جَارَ الملوك على الرعية، وجار القوي على الضعيف، ولم يؤخذ للمظلوم حقه من ظالمه سلط الله على الملوك من يفعل بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سواءً بسواء، فكما تدين تدان. وكما يقول المثل الشعبي ( التسوي كريت في القرض تلقاهُ في جلدها ) وهذه سُنَّةُ الله تعالى في الكون منذ أن خلق الله الخلق وإلى يوم القيامة..
فإذا قدَّر الله وشاء زوال الحكم في أي دولة،هيَّأ لذلك الأسباب فينتشر الفساد، وتتوارى المحاسبة، ويتمدد الظلم وينزوي العدل، ويكثر الصراع والشقاق، لتأتي النهاية…اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة