مدني عباس مدني يتحدث عن العدالة الاجتماعية ويكتب الثورة والتغيير الاجتماعي في السودان
أول ما سمعت بالمقولة المنسوبة لسيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه ما اغتنى غني إلا بما افتقر به فقير. كان من أستاذنا عبد الرحيم بلال ويشير بطريقته المميزه إلى أن سيدنا علي رضي الله عنه أول من تكلم عن فائض القيمة؛ المهم فإن المقولة تستحق باباً واسعاً في كتاب العدالة الاجتماعية، وهي القضية التي يجب أن تشد إليها الأذهان،
في كتاب رأس المال في القرن الحادي والعشرين لتوماس بيكيتي تأكيد دور التغييرات في السياسية في إحداث التحولات الاقتصادية كما في الكتاب قص اثر لتراكم الثروات في بعض المجتمعات، في العالم ككل لعبت مسألة الاستعمار والغزو (عوامل سياسية) الدور الأكبر في ترتيب الكوكب اقتصادياً، وفي خلق وترسيخ حالة اللامساواة على المستوى العالمي، كان الغزو واحتلال الغزاة هو الأساس الذي نهضت من بعده الدول المستعمرة اقتصادياً، ومن بعد ذلك كانت هنالك فسحة للفكر والنهضة والتنوير، والثورة الصناعية، وليس العكس، التغييرات السياسية مهمة لإحداث التحولات الاقتصادية، وبالمقابل فإن أي تغييرات سياسية لا يعول عليها إذا لم تقُد إلى تغييرات في بنيان النسق الاقتصادي.
طبقة أصحاب الأعمال تنتبه بسرعة إلى احتمالات التغييرات الاقتصادية وتحاول تجنب تأثيراتها على مصالحها الطبقية لذلك تبدي تنقلات واسعة في لحظات التغيير السياسي من مربع مناصرة السلطة القائمة إلى خانة تاييد السلطة القادمة، وتتخذ في سبيل ذلك أحابيل متعددة، دراسة سلوك هذه المجموعات أو فلنقل جزء مقدر منها مخافة التعميم تجاه الثورة السودانية، وكل محطات التغيير في السودان يوضح صحة ما ذكرناه سابقاً، فمن ظلوا يحافظون على علاقات متميزة وشراكات راسخة مع نظام الإنقاذ لم يلبثوا أن فضوا سامر أنسهم معها ليبذلوا مطارفهم لود جديد مع السلطة القادمة في السودان، بداية بإعلان الحرص على التوفيق والتوثيق بين قيادات الثورة ومن أتموا عملية نقل السلطة من قادة العسكر، تواصلاً بتقديم الأفكار والرؤى الاقتصادية التي لا تقود إلى تغيير حقيقي في موازين القوى الاقتصادية والاجتماعية في السودان، بل تحافظ على ذات الترتيب وبتحالف يتغير فيه فقط أصحاب السلطة ويبقى نفس أصحاب المال.
مدخل هذه الكتابة ليس غرضه التعريض بأصحاب المال، أو الحقد الطبقي، ولكن إيماني المطلق أن عملية التغيير في السودان لن تحقق جدواها مالم تكن القضية الاجتماعية في قلب هذا التغيير، وتفكيك بنية التمكين الاقتصادي لا يقل لازمية عن تفكيك التمكين السياسي بل هو مدخل استدامته.
رغم العنت والمشقة التي يجدها الناس في واقع الحياة في السودان. فإن السودان مفتوح أمام فرص تطور اقتصادي واستثماري كبيرة، وستزيد معدلات النمو الاقتصادي لا ريب ولكن هل سيكون ذلك في إطار من العدالة الاجتماعية والفرص المتساوية، أم أن ذلك سيكون لصالح زيادة الهوة والفوارق في المجتمع السوداني، وهل ستصب الاستثمارات الأجنبية والمحلية في سبيل توفير الحياة الكريمة أم ستكون كما في بلدان عديدة مدخل لنهب الثروات بين مراكز عالمية ونخب محلية انتهازية وقريبة من مركز السلطة، أظن هذا الأمر من أهم القضايا التي يجب أن ننتبه إليها، فلو كانت الوحدة الوطنية واحدة من أهم تحديات الانتقال والدولة في السودان، فقضية العدالة الاجتماعية لا تقل أهمية وهي قضية محلية وكوكبية في وقت واحد، وهي ذات قضية التعليم والخدمات الصحية الجيدة للجميع، وتوفير سبل العمل الكريم والحماية الاجتماعية للمواطنين، فهل تمت الثورة لغير ذلك؟
صحيفة السوداني