موقف الأحزاب ممثل في بيان لجنة التمكين، هو تعبير طبيعي عن حالة العجز والإفلاس
لجنة إزالة التمكين أحد أجهزة أحزاب الحرية و التغيير و التي تشمل ( حزب الأمة، التجمع الإتحادي، حزب البعث، حزب المؤتمر السوداني، و الحزب الشيوعي) أصدرت تصريحا صحفيا حول إفطار الإسلاميين في الساحة الخضراء، و قالت فيه انه نشاط سياسي، و أنها أرسلت قوات أمنية لإعتقال المشاركين فيه، و أنها – حسب البيان- اعتقلت بالفعل عدد من المشاركين، و أنها بصدد ملاحقة و إلقاء القبض على كل المشاركين في هذه الفعالية.
البيان ذكر أنهم تعرفوا على هويات العديد من المشاركين و أنه سيتم ملاحقتهم و القبض عليهم بموجب قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو.
هذا البيان الدرامي يمثل فضيحة سياسية مدويِّة لأحزاب الحرية و التغيير. شيء لا يُصدق للوهلة الأولى، و قد يظن المرء أنه مجرد بيان مفبرك.
أولا هذا تجمع مشروع من الناحية القانونية هذا أمر في منتهى البداهة و الوضوح؛ إفطار رمضاني لشباب الإسلاميين بمختلف انتماءاتهم السياسية و الحزبية و خارج أي إطار حزبي ضيق.
و من الناحية السياسية فإن التيار الإسلامي موجود و متجذر في المجتمع لا يُمكن استئصاله و لا يُمكن قمعه و لا إبعاده من المجال العام بوسائل الدولة البوليسية.
يأتي هذا الموقف من لجنة تفكيك التمكين و هي واجهة سياسية لتحالف الحرية و التغير، في وقت تعيش فيه هذه الأحزاب أسوأ حالاتها حيث انحسر مدها السياسي إلى أدنى درجاته، إلى نقطة ما قبل ثورة ديسمبر قبل أن تمتطيها هذه الأحزاب، حيث كانت مجرد قوى كرتونية يحتقرها الشعب السوداني و لا يعول عليها لا في إسقاط نظام الإنقاذ، و لا في خلق بديل سياسي له. و عندما ثار الشعب و سقط النظام، أثبتت التجربة بشكل قاطع فشل هذه الأحزاب في تقديم بديل للإنقاذ، لقد أصبحت هذه حقيقة واقعية ملموسة، و فقدت أي شرعية سياسية و أخلاقية لبقاءها.
و لذلك، فإن موقف هذه الأحزاب ممثل في بيان لجنة التمكين، هو تعبير طبيعي عن حالة العجز و الإفلاس؛ إذ لم يعد لديها سوى أدوات القهر و القمع السلطوية تتشبث بها مثل الغريق الذي يتمسك بالقشة. فهذه القوى الكرتونية تريد صناعة ديكاتورية لا تملك لها دبابات و لا حتى مدافع رشاشة.
مع ضعف هذه الأحزاب و فقدانها لأي مشروعية سياسية و أخلاقية، فإن أي محاولة منها للدخول في معركة بأدوات السلطة القمعية، فإنها ستكون هي الخاسر الوحيد. فالتيار الإسلامي ليس لديه ما يخسره، و لكن هذه الأحزاب حينما تواصل في السقوط الأخلاقي فهي تدخل معركة غير متكافئة، و بدون أي غطاء سياسي أو أخلاقي، فهي لا يُمكن أن تمثل الثورة بهذا السلوك الإستبدادي السافر، كما ان الشارع قد اكتشف بؤسها و تفاهتها و لا يُمكنها أن تحشده خلفها من جديد بدواعي محاربة النظام البائد، فهذه الأحزاب هي نفسها أصبحت هدفا لثورة الشارع.
يجب إدانة هذا التوجه القمعي الذي يجسده هذا البيان. دفاعا عن مبدأ الحرية في المقام الأول. و ثانيا لأجل مصلحة الوطن و الديمقراطية و الانتقال السياسي، لأنك عندما تصادر حق الآخرين بالقوة، و بطريقة سافرة و فجة، فأنت تدفعهم نحو تبني خيار القوة و هذا سيؤدي لعدم استقرار بغض النظر عن الخاسر و الرابح في معركة كهذه.
إذا كان التيار الإسلامي موجود، و لا يُمكن هزيمته، فإن الخيار الوحيد هو التعايش معه. و ذلك في ظل دولة مؤسسات و قانون و ديمقراطية.
الساحة السياسية السودانية بحاجة إلى مبادرات وطنية متجاوزة للانتماءات الأيديولوجية و الحزبية الضيقة. مبادرات من أجل المصالحة و الوحدة الوطنية و التوافق. و يجب أن تعرف أحزاب السلطة أن زمان الكسب السياسي بخطابات التجهيل و الاستقطاب قد ولى و لن يعود. يجب عليكم أن تواجهوا الواقع و أن تنقذوا أنفسكم قبل إنقاذ البلاد.
حليم عباس